آخر الأخبار

الاثنين، 13 مارس 2017

العنف في التاريخ: موقف طوماس هوبز/موقف فرويد/موقف كارل ماركس

الحرب العالمية الثانية
ذ.الزاهيد مصطفى
من بين التصورات الفلسفية النقدية التي أعادت قراءة تاريخ الفلسفة نجد التصور الذي جاءت به مدرسة فرانكفورت مع كل من الفيلسوف تيدور أدورنو وماكس هوركهايمر اللذان تأثرا شديد التأثر بالصعود المدوي لأشكال خطيرة من العنف في عالمنا
المعاصر وللأنظمة الكليانية التي تجسدت في النازية والفاشية والديكتاتورية  وهو ما جعلهم يكتبون كتابا مهما بعنوان "جدلية العقل الأنواري" طرحوا فيه سؤالا على الشكل الآتي: لماذا سقطت الإنسانية في بربرية جديدة عوض أن ترتقي لوضع إنساني أصيل تقضي فيه على جميع أشكال العنف؟ لقد كانت الحرب العالمية الأولى والثانية لحظة قاتمة جعلت العديد من الفلاسفة يتساءلون من جديد ومن بينهم رواد فرانكفورت عن السبب الذي جعل العنف حاضرا في التاريخ، باحثين عن الأسباب التي تدفع إليه وعن المصادر التي ينبع منها وهو ما سنسعى لتحليله ومناقشته  انطلاقا من الإشكالات التالية: فما الذي يفسر ظاهرة العنف في التاريخ؟ أو بتعبير آخر، كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟ وما الذي دفع الإنسان لممارسته؟
التحليل/ هوبز: العنف تعبير عن ميل طبيعي للعداء والحرب
هكذا فالإشكال يتعلق بأسباب تواجد العنف في تاريخ الإنسانية. وهو إشكال يمكن مقاربته انطلاقا من التصور الفلسفي لطوماس هوبز  الذي أقر بوجود العنف في الحياة الإنسانية  عندما يحاول كل واحد فرض  وجوده وسيادته على الطبيعة وعلى غيره من الناس بواسطة اللجوء إلى القوة والمكر والحيلة،وفي هذه الحالة يكون الإنسان مهيأ لخوص الحرب ومواجهة الغير واستخدام أكبر وأخطر الوسائل لينال ما يكفي من الأمن ويفرض اعتراف الآخرين بقوته ومناعته، ومن ثمة فإن الغاية من سيطرة الإنسان على نظرائه حسب هوبز هو العثور على حياة مستقرة وآمنة، وهكذا فإن العنف حسب هوبز كامن في الطبيعة الإنسانية ويعود اللجوء إليه حسب هوبز إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
ü  أولها المنافسة والعداوة
ü  ثانيها الحذر
ü  ثالثها الأنفة والاستكبار
وفي هذا الصدد يقول طوماس هوبز في كتابه:'اللفيتان':"فأول هذه الأشياء يضمن للناس المهاجمة بقصد منفعتهم، وثانيها من أجل أمنهم، وثالثهما بقصد سمعتهم، فهم يستخدمون العنف في الحالة الأولى ليصبحوا أسيادا على أشخاص آخرين وعلى زوجاتهم وأبنائهم وممتلكاتهم، ويستخدمونه في الحالة الثانية لحماية هذه الأشياء، ويستعملونه في الحالة الثالثة من أجل ترهات، إذ يحصل العنف مثلا بفعل كلمة أو ابتسامة أو رأي يخالفهم أو بفعل أية إشارة استخفاف قد تصيبهم مباشرة وتنعكس عليهم وهي في الأصل موجهة إلى ذويهم وأصدقائهم ووطنهم". وبالتالي فالعنف ميل متأصل في الطبيعة الإنسانية وحتى الانتقال إلى حالة الطبيعة لا يمكن القضاء عليه بل يصبح هو وسيلة الحاكم الذي يضمن الأمن والاستقرار والسيادة في ضبط الرعايا وحفظ النظام.
موقف فرويد: الطبيعة العدوانية للإنسان هي التي تولد العنف في التاريخ.
يمكن كذلك تقديم تحليل آخر لظاهرة العنف في التاريخ، هو ذلك الذي يقوم به فرويد حيث يربط العنف بطبيعة الجهاز النفسي للإنسان، حيث نجد "الهو" كنسق أصلي في هذا الجهاز يميل إلى تحقيق دوافعه الغريزية، والتي تستهدف تحقيق اللذة والمصلحة الذاتية بشتى الوسائل بما فيها تلك التي تعتمد على العنف. هكذا يعتبر فرويد أن الإنسان كائن عدواني وشرس بطبعه؛ فهو كائن تندرج العدوانية لديه بالضرورة ضمن معطياته الغريزية. ولذلك فالإنسان ينزع إلى تلبية حاجاته العدوانية على حساب الآخر،وإلى استغلاله وإهانته وإنزال الآلام به واضطهاده وقتله.ولذلك لا يمكن سوى قمع العنف وكبح جماحه دون التمكن من القضاء عليه، ما دام يعاود الظهور حينما يتم إلغاء الزجر في فترات الحرب،التي تنزع عن الإنسان قناع الوحش المفترس الذي لا يقيم أي اعتبار لبني جنسه.هكذا يرى فرويد أن هذه العدوانية المتجذرة في الإنسان هي الذي تولد أشكال العنف المختلفة في التاريخ، وتهدد العلاقات القائمة بين الناس داخل المجتمع. فالمبدأ العام عند فرويد هو أن الصراع بين الناس تتم تسويته بواسطة العنف..وقد عرف مسار العنف تطورا في تاريخ البشرية؛ حيث تم الانتقال من العنف العضلي إلى العنف الذي يستخدم الأدوات، ثم إلى عنف عقلي سيشكل قوى موحدة ضد عنف الأقوى. من هنا فقد تم كسر شوكة عنف الأقوى عن طريق اتحاد مجموعة من القوى الضعيفة، التي ستتخذ القانون والحق كقوة تستخدمها الجماعة لتحقيق أغراضها. فالعنف إذن لم يختفي نهائيا، وإنما تم تعزيزه بواسطة العقل وأصبح يمارس باسم القانون.
المناقشة/ موقف ماركس: الصراع الطبقي كمولد لظاهرة العنف في التاريخ.
 بالعودة إلى النظرية الماركسية نجد ماركس  يدافع على أن ظاهرة العنف في التاريخ ناتجة عن الصراع الطبقي الذي هو المحرك الأول  لعجلة التاريخ؛ والذي عرف دوما حروبا لا تتوقف بين فئة مستغلة ومضطهدة من جهة، وفئة مستغلة ومضطهدة من جهة أخرى. وهذه الحروب والصراعات هي التي تولد أشكال العنف المختلفة، والتي يكون لها أثر فعال على مستوى تغيير أشكال الحياة الاجتماعية.ومن خلال استقرائه للتاريخ، بين ماركس أن المجتمع كان مقسما إلى طبقات تعيش أوضاعا وشروطا اجتماعية مختلفة؛ بحيث نجد في المجتمع الروماني القديم طبقتين متمايزتين؛ هما السادة والفرسان من جهة و الأقنان والعبيد من جهة أخرى. كما نجد في القرون الوسطى السادة والشرفاء من جهة، والأقنان والحرفيون العاديون من جهة أخرى. وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث، عصر سيادة البورجوازية (الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج)، فإننا نجد أن الصراع لم ينته بعد؛ إذ أصبح المجتمع منقسما إلى معسكرين متعاديين، أي إلى طبقتين متعارضتين تعارضا كليا هما البورجوازية والبروليتاريا. وهذا الصراع الاقتصادي والاجتماعي في جوهره هو الذي يولد أشكالا مختلفة من العنف والاستلاب والاستغلال الذي تمارسه الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج المادي على الطبقة العاملة. وقد يتخذ هذا الصراع طابعا فرديا لا يعيه الفرد ذاته، كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي أو إيديولوجي واضح.
التركيب
    ما يمكن أن نخلص إليه هو أن العنف سواء كان تعبيرا عن رغبة ذاتية وطبيعية في الإنسان أو استجابة لشروط خارجية يمليها التنافس حول المصالح فإن حضوره في التاريخ سيظل بمثابة المسمار  المثبت في خاصرة الإنسانية، وهكذا نجد أن بعض الفلاسفة لم يخطئوا حينما طالبوا أو دافعوا عن تعريف للفلسفة باعتبارها خطاب ضد العنف مع إريك فايل مثلا، وباعتبار التفكير الفلسفي تفكيرا نقديا فإننا لا يمكن أن نقبل بكون العنف هو مجرد استجابة لرغبات لم يتم تصريفها أو إشباعها في مرحلة الطفولة لأن القبول بهذا سيجعلنا ننظر للإنسان باعتباره أحد قردة بافلوف التي تستجيب بشكل شرطي لمثيرات خارجية، فالإنسان عكس كل هذا، كائن عاقل وبرهن في لحظات تاريخية حاسمة على امتلاكه لهذه الملكة لكن العنف في العمق هو نتيجة غياب العدالة الاجتماعية وهيمنة الأنانية الفردية التي تدكيها الأنظمة الليبرالية والرأسمالية التي  لا يهمها غير الربح وهو ما يجعل الرأسماليين وأصحاب الشركات يرون في الحروب والأوبئة والمجاعات والنزاعات المميتة وفي العنف بشكل عام شروطا حيوية وضرورية لاستمرارهم.

هناك 3 تعليقات:

  1. شكرا على هذه المعلومات

    ردحذف
  2. ليس هناك توثيق للافكار

    ردحذف
  3. هل يعقل أن يكون الإنسان فينا ليس أكثر من ذئب في وجه أخيه الإنسان كما رَآه هوبز، وليس أكثر من كائن عدواني وشرير كما رآه فرويد .

    ردحذف