آخر الأخبار

الجمعة، 27 أبريل 2018


هل لازلنا في حاجة إلى المدرسة اليوم؟       
      بعد النجاح الكبير الذي حققته الدورة الأولى من الملتقى الوطني الأول للفكر الفلسفي سنة 2016، والتي نظمت تحت شعار:"هل نحن في حاجة إلى الفلسفة اليوم؟"، وحرصا منا على استمرار هذا التقليد الثقافي الذي حضي بمتابعة إعلامية وطنية ونقاش بين المهتمين، وهو التقليد الذي
نبتغي  من خلاله نشر الفكر العقلاني، وترسيخ ثقافة النقاش والحوار العمومي، وكذلك تجميع كل المهتمين والفاعلين من أجل إبداء الرأي بخصوص القضايا الحيوية للمجتمع، فإننا ننظم هذه الدورة تثمينا وترسيخا لنفس المسار والنهج، مخصصين دورة الملتقى الوطني الثاني  لموضوع يتمحور حول :المدرسة المغربية وسؤال القيم في العصر الرقمي: من أجل فلسفة جديدة للمدرسة المغربية، وتقديرا منا لجهود المفكرين المغاربة في النضال من أجل مدرسة للحداثة والقيم المدنية: خصصنا هذه الدورة لتكريم الفيلسوف المغربي محمد سبيلا، بل إن هذه الدورة الثانية من الملتقى الوطني الثاني للفكر الفلسفي في المغرب تسعى لترسيخ تقليد مواز لأشغال الملتقى، يتجلى في التأسيس لثقافة الاعتراف لذلك سميناها:"دورة الفيلسوف المغربي محمد سبيلا" تقديرا منا لما قام به في هذا السياق، وهو ما يعكسه نضاله الأكاديمي من أجل ترسيخ وتجذير الحداثة و حق المغاربة في مدرسة حديثة ومجتمع حداثي.
     يبدو أن المدرسة لم تعد  الوسيط الوحيد في عصرنا الراهن الذي يشرف على عملية التربية والتنشئة الاجتماعية والتطبيع على القيم بمفهومها العام، بل، تدخلت وسائط أخرى في العصر الرقمي تساهم إلى جانب المدرسة في تمرير القيم، وممارسة فعل التربية، مثل: وسائل الإعلام، المدارس العتيقة والأصيلة، الزوايا وشبكات التواصل الاجتماعي، جماعات الإسلام السياسي والجمعيات الرياضية، واتحادات الفرق المحلية...، لكن رغم ذلك، يبقى رهان الدولة والمجتمع السياسي، وكل الفاعلين الإداريين والمدنيين  والنخب الثقافية بشكل أساسي  على مؤسسة المدرسة، ذلك نظرا لكونها تجسد وتمثل القيم المتعاقد عليها من طرف كل أفراد المجتمع، وتجسد أسمى القواعد الثقافية، فالمطلوب هنا من المدرسة هو أن تساهم في بناء القيم التي قد تساهم في بناء الأسس المؤصلة لمجتمع الحداثة ، التنوير، الديمقراطية ،الإختلاف والتعدد...، عكس القيم التي تمررها الوسائط الأخرى –شركات خاصة أو جماعات دينية أو دعوية أو شبكات عابرة للحدود...- قد تكون في عمقها تخدم بشكل أو بآخر أهداف جماعات، أو شركات، أو تنظيمات خاصة، وليس المشترك والمتعاقد عليه بعلاته وإكراهاته.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن قيم المدرسة، قيم عمومية وقيم الوسائط قيم خاصة -الخاص والعام هنا ليس بالمعنى الكانطي، بل بالمعنى الاقتصادي الصرف-، تشتغل خارج المتعاقد عليه، مما يجعلنا اليوم أمام أزمة حقيقية، فالمعيار الذي تشتغل به الوسائط الرقمية والدعوية...، يختلف عن المعايير التي يجب أن تؤطر اشتغال المدرسة المعاصرة، فالمتعلمون اليوم يصاحبون الوسائط بشكل يومي ولحظي، يحملّونها في هواتفهم ومحافظهم، بل أيضا في الشوارع التي يمرّون منها، وفي الحدائق التي يجلسون فيها، وعبر الشاشات التي يفتحونها...، بينما المدرسة مجرد بناية يأتون إليها ويغادرونها، دون أن تطور من بنيتها لتكون حاضرة في قلب حياتهم اليومية وهم حاضرون فيها،  وهو ما  يجعل تأثيرها أقل مما تؤثر به الوسائط.
      تبعا لذلك توخينا أن ننظم هذه الندوة تحت شعار:" المدرسة المغربية والتربية على القيم: نحو فلسفة جديدة للمدرسة المغربية" انسجاما مع الروح الفلسفية التي لا تعتبر الأمور البديهية مجرد هوامش، فالحس العام يعتقد أن هذا الموضوع مستهلك، لكن المواضيع المستهلكة هي الأكثر مدعاة للتفكير والحذر، فالتفكير في العلاقة الممكنة بين المدرسة المغربية والتربية على القيم الممأسسة هو موضوع راهني، يستمد راهنيته من الأوضاع التي تعيشها المدرسة المغربية، ومن النقاش الرسمي والعمومي الدائر حولها اليوم، ومن  الرؤية الإستراتيجية "لإصلاحها"، وأيضا من الواقع المتغير الذي عرف حسب التقارير الرسمية(تقرير القيم للمختار الهراس ورحمة بورقية وآخرون ضمن المرفقات مع تقرير الخمسينية مثلا) وغير الرسمية، كلها تتفق على حدوث تحولات قيمية جذرية تمس في العمق اتجاهات وميولات الشباب والمراهقين، وهي قيم في العمق صارت قائمة على الإستعراض المفرط للقوة والتجمهر(التفكير الجمعاني)وممارسة العنف والتطرف بجميع أشكاله، مما يجعل الدولة و المجتمع المدني  والنخب والفاعلين مطالبين اليوم بالتفكير في وظيفة المدرسة، وفي القيم التي تعمل على التربية عليها، وكذلك التفكير في حدود الأدوار التي يمكن أن تلعبها المدرسة في هذا السياق.
    يحكمنا تصور  خاص في هذا اليوم الدراسي يمكن تكثيفه في الطرح الآتي: يظهر  لنا أن المدرسة المغربية اليوم في العصر الرقمي لم تعد بنيتها قادرة على استيعاب ومواكبة الحاجيات النفسية والمعرفية والوجدانية لمتعلم اليوم، فجاذبيتها مقارنة بالوسائط الرقمية ومواقع الدردشة وعصر الصورة أقل تأثيرا، وبنيتها تقليدية، فهي لازالت أقرب إلى "المسيد" منه إلى المدرسة المعاصرة،  والأستاذ في الغالب يتماهى لاشعوريا مع شخصية الفقيه، أكثر منه مع شخصية المعلم، الذي يكون في عمقه وممارسته سقراطيا يولد المعارف من عقول المتعلمين ويساعدهم على اكتشافها في أنفسهم، عوض تغليب الإلقاء والتبسيط الساذج والكم في المقررات على حساب الكيف والكفاية. صحيح، نحن لا ننكر أن المدرسة اليوم تمرر قيما، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في غمرة تعدد الوسائط في العصر الرقمي، هو أي قيم بقي للمدرسة المساهمة في تأسيسها ومأسستها وترسيخها  ونقلها للمتعلمين؟ هل المدرسة هي الوسيط الوحيد الذي يساهم في بناء القيم وترسيخها، أم هناك وسائط أخرى أكثر جاذبية تنافس المدرسة اليوم في هذا الدور؟ هل يمكن في غمرة التحشيد اليوم حول قيم العنف الذي صار منفجرا في مختلف الفضاءات في العالم وفي المجتمع المغربي بشكل خاص أن نتحدث عن تأسيس ودخول للحداثة في غياب تحديث المدرسة المغربية والحسم في الخيارات الاستراتيجية بشأنها، وذلك بتخليصها من الإزدواجية التي تعيقها وتخترقها والمتمثلة في ثنائية:"تقليد /حداثة"  وتعويض ذلك بالإتجاه النهائي نحو الحداثة بدون أي تلكؤ؟ هل المدرسة المغربية اليوم خارج سياق الصراع الاجتماعي، أم أنها في العمق تتعرض لاختراق "الأصولية" التي توظفها اليوم في حرمان أبناء المغاربة من حقهم في التفكير وبالتالي في المواطنة ودفعهم نحو تبني "النكوصية" خيارا في الحياة؟،وما مدى فعالية القيم التي تقوم عليها المدرسة بالشكل الذي هي عليه اليوم؟.
      في العمق، تتحدد الغاية من هذه النقاشات من داخل فضاء المدرسة العمومية هو جعلها فضاء مفتوحا لجميع الأساتذة من داخل المادة أو من خارجها، من أجل اللقاء وتبادل الأفكار والمعارف. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على الاستيعاب العميق والفلسفي "لشعار ربط المدرسة بمحيطها"، فهذا الربط لا يتحقق بفتح أبوابها وإلغاء أسوارها، بل ما نفهمه نحن لجنة تنظيمية ومنسقون لأعمال هذا اليوم الدراسي  من هذا  الربط، هو أن تكون المدرسة والمؤسسة عموما محتضنة للنقاش العمومي، ومتدخلة وحاضرة فيه بأطرها وكفاءاتها، وذلك من أجل تنوير تلامذتنا ومحيطنا ومجتمعنا، لأن المدرسة هاهنا لم تعد بالنسبة لنا ممرا أو جسرا وظيفيا يعبر منه التلميذ نحو مؤسسات أخرى: الجامعة مثلا، بل هي مجال القطائع القيمية، بحيث أن القضايا التي تهم التلميذ،  وتمس مصيره ومستقبله يجب أن تكون حاضرة داخل المدرسة، ويجب أن تسهم كل الأطر في إيجاد وتقديم الإجابات عنها عوض أن نترك تلامذتنا ضحية التمثلاث والحس المشترك والأفكار الجاهزة. فلا يكفي من "الأستاذ الموظف" أن يقول لتلامذته عليكم الإهتمام بالثقافة والمطالعة فيصدقونه ويؤثر في فعلهم، إن كان هو في العمق عاجزا عن المطالعة والتثاقف والتثقيف الذاتي، مستقيلا من  الفعل الثقافي وعنه، منخرطا في اليومي يأكل منه ويتآكل به، هنا يكون فعل الخروج تعبير عن انتماء لشعار كانطي: "أجرؤوا على التفكير" وهو ما نسعى إليه هربا من اليومي وبؤسه وبؤسائه ووصاته.
       لا يجب أن ننسى أن هذه الجهود  التي من المفترض أن يساهم فيها الجميع،  تستحضر في العمق أن أي حديث عن المدرسة المغربية وسؤل القيم لا يغفل سياقه  العالمي الذي يسعى فيه الرأسمال  المتوحش و المنتصر عالميا ومحليا، ما يقوم به "مصاصوا الدماء" في هذا النظام من ضغط  على الحكومات  حتى توجه المدرسة إلى التحول إلى وظيفة إنتاج "خماسة/عبيد" العولمة. وهو ما يعني أنها نهاية المدرسة بوصفها الرافعة التنويرية.. مشكل المدرسة في نظرنا لم يعد فقط محصورا مع الدولة الشمولية. ..، بل مشكل المدرسة عموما والمغربية خصوصا أصبح مع عصابات العالم.
      في العمق سؤالنا يظل ثقافيا لكنه يحمل همّا سياسيا يمكن صياغته والتعبير عنه في السؤال الآتي : أي مجتمع نريد وأي تلميذ نعد لهذا المجتمع؟
    I.            المحاور الكبرى لهذا اليوم الدراسي:
v     المدرسة والمقاربات النظرية  المؤطرة لها
v     من المسيد إلى المدرسة : سؤال البنية والهوية
v     المدرسة والوسائط الرقمية وسؤال التنشئة الاجتماعية
v     المدرسة وسؤال الإصلاح التربوي  عند المفكرين المغاربة
v     المدرسة والتربية على القيم المدنية
v     المدرسة والتأسيس للمجتمع الحداثي
v     الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم
تنسيق أعمال اليوم الدراسي: ذ.الزاهيد مصطفى
اللجنة التنظيمية : ذ.مصطفى شرو /ذ.محمد الإدريسي/ذ.حسن الحريري/ذ.حسن تزوضى



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق