آخر الأخبار

الجمعة، 14 ديسمبر 2018

التلميذة سكينة بيدي تبدع في الإنشاء الفلسفي: "الشخص بين الضرورة والحرية " بثانوية الخوارزمي التقنية بسوق السبت

سكينة بيدي في مداخلة ضمن ندوة حول الطفل

نموذج تحليل ومناقشة نص فلسفي من طرف تلميذة
الاسم : سكينة                                                              السنة الدراسية:2018/2019
النسب : بيدي                                                              القسم :  PC2
المؤسسة ثانوية الخوارزمي التقنية بسوق السبت/مديرية الفقيه بن صالح
أستاذ المادة: مصطفى  الزاهيد
النقطة التي حصل عليها الموضوع: 20/20    
لتحميل الموضوع إضغط على هذا الرابط بالأحمرالموضوع كاملا بصيغة PDF

تقديم: هذه إجابة للتلميذة سكينة بيدي على فرض محروس في مادة الفلسفة صيغة النص الفلسفي، قرأته وظهر لي أنه لأول مرة أجد بعد سنوات من العمل كتابة تستحق أن نتقاسمها، صحيح كانت هناك كتابات أتذكرها في السنوات الماضية لتلميذات وتلاميذ، لكن، لم تسعفنا الظروف لتقاسمها، وأكثر من ذلك، يوجد شيء ما في هذا الإنشاء يرقى إلى مستوى الإبداع الفلسفي في الكتابة الإنشائية، وبعد تصولي بالنص الذي طلبت من التلميذة رقنه، لم أضف إليه شيئا، حافظت عليه بأخطائه لننقل ما تم تحريره كما هو، بدون زيادة أو نقصان، أما الملاحظات، فقد أدرجتها لها في الورقة، وتبقى ملاحظات شكلية، لا أهمية لها مقارنة مع ما تحقق. وقد رقناه ونشرناه حتى يستفيد منه التلاميذ ويستعينون به.


نص الفرض المحروس رقم 1 الدورة الأولى
"لدينا مشكلة عن حرية الإرادة لأن لدينا قناعتين متناقضتين بصورة مطلقة حيث كل طرف من التناقض يبدو صحيحا بكل تأكيد، وفي الواقع لا مفر منه. الأولى تقول إن كل حادثة تحدث في العالم لها أسباب كافية سابقة لها. .... مثلا كما أن سقوط هذا القلم محدد إذا تركته. إذا تركت القلم الذي أمسكه الآن بيدي، في هذا السياق فسوف يسقط على الطاولة. إذا افترضنا نمط تنظيم الكون، إذا تركته، فلابد أن يسقط على الطاولة لأن القوى التي تؤثر فيه سببيا كافية لأن تحدد أنه سوف يسقط. قناعتنا بالحتمية تعادل الرأي القائل إن ماهو صادق بخصوص القلم صادق بالنسبة لكل حادثة حدثت أو ستحدث
قناعتنا الثانية، هي أننا في الواقع نمتلك إرادة ؛ حرة، ترتكز على تجارب معينة من الحرية الإنسانية، لدينا خبرة صنع قرار لأن نفعل شيئا، وبعد ذلك نفعله. إنه جزء من تجاربنا الواعية، إننا نختبر مسببات قراراتنا وأفعالنا، كأسباب لتلك القرارات والأفعال، على أنها غير كافية لفرض القرارات والأفعال الواقعية. فكر في نمط القرار الذي ستصنعه في اختيار المرشح الذي ستصوت له في انتخاب معين، أو حتى الطبق الذي ستختاره من قائمة الطعام في مطعم ما، إذا فعلت ذلك فسوف ترى أنك تقوم بتجربة خاصة بصنع القرار، وهذا النوع من التجربة هو الذي يولد فيك، كجزء من التجربة، شعورا بوجود اختيار من بدائل مفتوحة أمامك"
حلل وناقش
مرجع النص (للإشارة لم أقدم مرجع النص للتلاميذ ) جون سوريل كتاب:العقل ص 172-173

جواب التلميذة سكينة بيدي
     لقد حاول الإنسان منذ أن خطا الخطوات الأولى في درب المعرفة، أن يفسر المحيط الذي يعيش فيه  و يتأمله و يقارب جل ما يشمله، و كانت محاولته هذه يعوقها أكثر من عائق، على رأسها  استعصاء  الواقع على الفهم البشري. مما دفعه خاصة في المرحلة الأولى من نشوء الحضارة  إلى  الارتماء في عالمه الداخلي، حيث حاك العديد من التخيلات و بلورة الكثير  من التصورات. وهو  ما يمكن أن نختصره في كون الإنسان في بداياته  الأولى كان يفكر انطلاقا من الميثوس، لكن  سرعنا  ما تمكن من التحول و الارتقاء إلى مرحلة أسمى تتجسد في التفكير انطلاقا من اللوغوس،  هذا الأخير ساهم بشكل كبير في ظهور و بلورة  نمط جديد من التفكير يتجسد في أسلوب التفكير الفلسفي، هذا الأخير الذي سلط الضوء على العديد من القضايا و الإشكالات  على مر تاريخ الفلسفة،  و نجد من ضمنها الإشكالية التي يعالجها النص  الماثل بين أيدينا و المتجسدة في إشكالية: "الشخص بين الحرية و الضرورة"  هذه الأخيرة هي إشكالية جوهرية في الفكر المعاصر فقد استقطبت اهتمام العديد من الفلاسفة على مر التاريخ الفلسفي، حيث نجد أنه تم طرحها كإشكالية كبرى في الفلسفة اليونانية مع كل من أفلاطون و أرسطو و سقراط  مما يدل على أنها ليست قضية جديدة انبثقت  مع الفلسفة المعاصرة، ووليدتها  بل كان ظهورها الجنيني  وليد الفلسفة اليونانية،  و استمر إلى حدود الفلسفة المعاصرة، و هذا إن دل فإنما يدل  على أننا أمام إشكالية كبرى تضعنا أمام  منفذ لمجال فلسفي شكل أحد المباحث الكبرى  في التاريخ الفلسفي،  و الذي سنقوم بصدده بمعالجة هذه الإشكالية ، و لتحليل هذا النص و مناقشته بشكل عام ضمن مجزوءة  الوضع البشري  التي تحيل  إلى دراسة  مختلف الحالات و الشروط التي وجد عليها  الإنسان منذ أن سقط في الوجود،  و هي تتميز بالتعقيد لأنها تتضمن مجموعة من الأبعاد :بعد ذاتي يحيل إلى الشخص، و بعد علائقي يحيل إلى الغير و بعد زمني يحيل   إلى التاريخ. وبشكل خاص ضمن إشكالية الشخص  بين الحرية و الضرورة،  وفي هذا الصدد سنقوم بطرح جملة من الإشكالات التي ستعمل على توجيهنا أثناء تحليلينا  و مناقشتنا  لهذا النص و المتجسدة فيما يلي : هل يعتبر الشخص كائن حرا أم خاضعا؟ و إذا كان حرا ما المحدد الأساسي  الذي يجعل منه ذلك ؟ وهل هذه الحرية هي حرية مشروطة  أم يمكن القول إن الإنسان يمتلك حرية مطلقة  مسيجة بمبدأ المسؤولية ؟ألا  يمكن القول أن الحرية ما هي إلا  وهم نعيشه ؟.

         من خلال إزالتنا اللثام  عن أسطر هذا النص،  و تأمل أحرفه  لا بد و من الضروري أولا أن نقف أمام بنيته المفاهيمية المركزية ونحدد جل المفاهيم المحورية التي يؤسس عليها صاحب النص  أطروحته و القيام بتعريفها.حيث نجد على رأسها  مفهوما مضمرا  بين ثنايا هذه الأطروحة، و هو مفهوم الشخص الذي يحيل في الدلالة اللغوية حسب لسان العرب لابن منظور الفعل: شخص، يشخص، شاخصا، أي ظهر، يظهر، ظاهر، اذن الشخص هو كل ما يظهر بالعين المجردة، ويحيل  إلى البروز و الارتفاع وإذا  تأملنا  في هذه الدلالة اللغوية، نجد أنها دلالة سطحية و غير عميقة لأنها حصرت الشخص في الجسم، مما يعني انه يمكن أن يكون فزاعة   أو جمادا أو جثة... ،وهذا يجعل  منه شيئا  مجردا. لهذا سوف  نلتجئ  إلى الدلالة الفلسفية على اعتبار أنها أكثر تفصيل وعمق،  فالشخص حسب معجم أندري لالاند يحيل  إلى تلك الذات: الواعية، العاقلة، المفكرة و المريدة، الحرة  والمسؤولة،  القادرة  على  التمييز بين الخطأ و الصواب، الشر و الخير، الوهم و الحقيقة .... وهي ذات أخلاقية وقانونية و إيكولوجية،  ولكي نتمكن من استيعاب هذا النص   وفهمه فهما تاما لا بد من الوقوف أمام مفهوم آخر يتجسد في مفهوم الضرورة  الذي يحيل إلى كل فعل و سلوك  و غريزة  أو رغبة أو ميول يتم من خلالها الإستجابة لجملة من الإكراهات الداخلية المتجسدة في الإكراه البيولوجي و السيكولوجي أو إكراهات خارجية متجسدة في الإكراه التفافي السياسي و الديني و الاجتماعي و الاقتصادي، ونجد في مقابل هذا المفهوم مفهوم آخر يتجسد في مفهوم الحرية الذي تمركز جل حديث النص عنه، فهو مفهوم يصعب تحديده لأنه يعتبر من بين المفاهيم العائمة  والتي تستخدم في مجالات متعددة حيث سنجد أن مفهوم الحرية  تم طرحه في المجال الديني السياسي متجليا في القدر ...،  كما أنه شهد تغييرا على مر التاريخ الفلسفي. و ما يزيد صعوبة تحديد هذا المفهوم هو كونه مركب  و يتضمن  جانب نظري و جانب عملي،  ولكن يمكننا تعريفه  على أنه كل فعل أوميول  لا يتم خلاله  الإستجابة لأي إكراه داخلي كان أو خارجي،  فالحرية  هي عبارة عن مواجهة يومية للضرورة، لأنه  عندما أكون حرا هناك من يخطط لسلب هذه الحرية مني، مما يعني أن كل من يعتبر نفسه حر، هذا يستلزم انه موجود بين خطوط النار من أجل الدفاع عن حريته  وإثباتها.

ومن خلال هذه  البنية المفاهيمية  التي قدمها صاحب النص بسلاسة منقطعة النظير، نستنتج أنه يدافع عن أطروحة مفادها أن الشخص هو خاضع و حر في نفس الوقت  وأن حريته هي حرية مشروطة. و من أجل بناء  أطروحته هذه  نجد أنه انطلق في بداية النص من تسليط الضوء على مفهوم حرية الإرادة  حيث أزال اللثام الكامن فوق هذا المفهوم الفلسفي،  وأبرز أنه مفهوم إشكالي بامتياز، وشائك لأنه يحمل بين ثناياه  قناعين متناقضين،  و ما يزيد من حدة هذه الإشكالية أن كل وجه إذا نظرنا إليه من زاوية واحدة سنجد أنه هو الصحيح بكل تأكيد  وفي الواقع لا مفر منه.  إذ انتقل إلى توضيح و تفسير التصور الأول والذي يرى أنه أي فعل أو حادثة تحدث، إلا ولها سبب كامن وراء حدوثها أي أن القيام بذلك الفعل لم يكن عن محض إرادة  وحرية تامة، بل كان مسيرا من طرف علل أخرى خارجية أدت إلى وقوع ذلك الحدث أو الفعل، حيث أنه دعا في نصه إلى أنه ليس من الضروري أن نعرف لماذا وقعت هذه الحادثة،  و نركز على نتائج وقوعها، بل تكمن الأهمية في معرفة تلك العوامل و العلل التي أدت إلى حدوث هذه الحادثة،  ولتوضيح هذا قام بإعطاء مثال يجسد جل ما سلف ذكره، و المتجسد في مثال القلم:  بحيث أنه مادام هذا القلم ثابت بين أنامل يدي، سيظل ثابتا،  و لكن ما أن أقوم  بتركه إلا  و سوف  يكون  السقوط محتم  عليه أكيد  وبدون منازع، وأضاف   كذلك مثال آخر  يتجسد في نمط تنظيم الكون  لتعزيز ما سلف، حيث قام بتطبيق القانون الذي استنتجه من مثال  القلم  على كل حادث أو فعل،  ومن خلال  هذا يمكننا أن نتوصل في الأخير  إلى أن  الإنسان ليس حرا حرية مطلقة،  فهو خاضع،  و حريته مشروطة، لأن أي فعل أو سلوك  يقوم به إلا ورائه علة  أخرى خارجية،  هي التي  ساهمت  في وقوعه  ولكن تقبل الشخص بوعيه التام  بأنه  خاضع،  وتوجد هناك علة أولى   تتحكم  به،  هذا  ما يجعل منه  كائنا  حرا،  وأن هذه  الحرية كما سلف الذكر حرية  مشروطة، حيث انتهى في الأخير  إلى أن الإنسان  حر، وأنه هو الذي ينتج  حريته وذلك في كونه يمتلك  القدرة على صنع القرار  بنفسه، حيث قام بطرح مثال آخر يتجسد في اختيار  الشخص لقائمة الطعام .ونظرا لكون الخطاب  الفلسفي هو خطاب حجاجي  بامتياز وظف صاحب النص جملة  من الأساليب  الحجاجية  التي  أضفت انسجاما فلسفيا  على بناء  هذه الأطروحة،  و نجد أنه   وظف  أسلوب  المثال،  و ذلك  في قوله "مثلا كما سقوط هذا القلم ..."إضافة  لأسلوب  الافتراض"، إذا  افترضنا  نمط تنظيم ..."وكذا  أسلوب التفسير الذي يتجسد في قوله " عندما  نقول  أن الأسباب  كافية  نعني  إذا  افترضنا ... "، ومن خلال هذا التحليل  أنتهي  إلى أن  صاحب النص يدافع  عن  الشخص بكونه خاضعا وحرا  في نفس الوقت،  وما يجعله حر هو وعيه بكونه واعيا وعيا تاما بخضوعه، ولكن  مادام تاريخ الفلسفة  هو تاريخ  يتميز باختلاف  التصورات فإلى أي حد يمكن القبول  بهذه  الأطروحة  كحل  لهذه  الإشكالية ؟ وما قيمتها  بالمقارنة  مع تصورات  فلسفية  أخرى ؟ ألا يمكن  القول  أن  الشخص حر  حرية  مطلقة ؟ وإلى أي حد  يمكن اعتبار  أن الحرية  هي  حقيقة  وأنها ليست مجرد وهم يستحوذ عقولنا ؟.


     في هذا السياق نجد الفيلسوف  جون بول سارتر في كتابه الأساس "الوجود والعدم " وكتابه"الوجودية نزعة إنسانية"  يعتبر أن الشخص حر حرية مطلقة  ولكنها مسيجة  بمبدأ  المسؤولية،  فحسب  جون بول سارتر  الحرية  سابقة للوجود  وأن الشخص  له الحرية  التامة  في اختياراته  وأفعاله و سلوكاته،  وهو يتحمل  مسؤولية  أفعاله تلك،  وهذا  ما يجسده  في قوله "إن الانسان  محكوم عليه بالحرية  بل انه  حر، بل هو  الحرية   بنفسها "، ويمكننا  أن نقدم على سبيل المثال  ذلك الطالب  الذي لجأ  لفيلسوفنا  خلال الاحتلال  النازية الألمانية  وقال له :إنني  أريد الذهاب إلى  الحرب لكن لدي أم  أخاف عليها، وستقهر وتتألم عني إن حدث لي شيء  فأجابه  سارتر: أنت حر في أن تظل  مع أمك،  ولكن إنك مسؤول  عن احتلال وطنك،  وأنت حر  في أن تذهب  للدفاع  عن وطنك  ولكنك مسؤول  عن آلام  أمك، وإذا تأملنا هذا نجد أنه يمنح له حرية الإختيار وذلك باقتران  هذا الإختيار بالمسؤولية  لأنه  إذا لزمنا الأشخاص بمبدأ  الخضوع  هذا سينتج لنا أشخاصا  يتهربون من المسؤولية،  وينتج لنا مجتمعا  لا يتحمل المسؤولية،  وفي مقابل  هذا الموقف نجد  الفيلسوف  كارل ماركس يقوم في كتابه "الإيديولوجية  الألمانية المعاصرة " و" البيان الشيوعي "  بنفي وجود شيء اسمه  الحرية،  ويعتبرها  مجرد وهم، لأن الإنسان خاضع  للحتمية  الاقتصادية،  ويخضع  لموقعه الطبقي من  وسائل  الإنتاج ، ولأنه لايوجد  هناك مفهوم للحرية داخل  نظام  استبدادي واستغلالي من قبيل الرأسمالية المتميزة  بالصراع الطبقي   و الموقع من  وسائل الإنتاج،  فيمكن القول أن هناك قيود على  الشخص   في كل اختياراته   وسلوكاته وأحلامه  وأفكاره وتصرفاته  وأفعاله،  لهذا فالشخص ما هو إلا ضحية لاعتقاده الزائف بكونه حر ، فحسب كارل ماركس، الأشخاص  يتصرفون ويسلكون  انطلاقا  من تمثلهم  لوجودهم المادي، وعلى هذا الأساس فالمحرك لسلوكات البرجوازي ليس هو ما يحرك فعل البروليتاري،  وبالتالي فالإنسان في المجتمع  الرأسمالي يعيش  وهم الحرية، وهو ما يعززه  الفيلسوف  الألماني تيدور  ادورنو بقوله "ليست  الحرية هي أن تختار بين الأبيض و والأسود  بل الحرية هي أن تتفادى  الخيارات  المحددة  بشكل مسبق  من طرف  النسق"،  لكن رغم الحتمية  الاقتصادية  التي  تقيد  فعل  الإنسان  في المجتمع  الرأسمالي  إلا أن ماركس  يرى  بان  الشخص يمكنه  أن يكون  حرا،  ولكن  في المجتمع  الشيوعي  الذي  يتم على مستواه  القطع  مع  جميع  التناقضات  الاجتماعية .

      ما نخلص  وننتهي  إليه من خلال تحليلينا   و مناقشتنا  لهذا النص،  نجد أن الإشكالية  الماثلة أمامنا  هي إشكالية  كبرى  ومعقدة  وشائكة  أسالت الكثير من المداد في التاريخ الفلسفي،  فهي تظل من بين  الإشكالات  الراهنة  في الفلسفة،  لأنها  مرتبطة بالوجود  الإنساني  وتمسه في صميميته، وهو  ما يفرض علينا  إعادة النظر  في جميع  التصورات  الفلسفية،  فإذا كان  الفيلسوف  جون بول سارتر  يرى أن الإنسان حر  وأن هذه الحرية ليست معطاة بشكل  قبلي وتلقائي، بل الإنسان هو من يساهم في تحقيقها و خلقها،  وأنه حر حرية مطلقة لكنها، مسيجة بمبدأ المسؤولية مما ينتج عنه مجتمع لا يتهرب من أفعاله   بدعوى أنه  خاضع لها،  فالإنسان عند سارتر يتعالى على كل جبرية معينة، و أنه خاضع فقط لحرية فعله واختياره، فهو قادر على اختيار شخصيته وماهيته لأنه الكائن الوحيد الذي ينحصر وجوده في حريته . ولكن إذا نظرنا إلى هذه الإشكالية من زاوية أخرى  نجد في المقابل من ذلك  الفيلسوف كارل ماركس الذي قام بنفي هذا المفهوم من أساسه واعتبر أن الحرية ما هي إلا وهم زائف وبرجوازي،  ولا يمكن أن توجد هناك حرية  داخل نظام رأسمالي استبدادي إلا في حالة واحدة وهي الثورة على هذا النظام الدكتاتوري،   والانتقال إلى نظام شيوعي  بحيث يتم  على مستواه القطع مع جميع التناقضات الاجتماعية  وتصبح جل وسائل  الإنتاج مشتركة  بين الطبقتين، وبالتالي القضاء على الصراع الطبقي .  ولكن على الرغم مما سلف ذكره   نجد انه في هذا الصدد موقف آخر  يسلط الضوء  على هذه الإشكالية  من منظور آخر  والذي يتجسد في تصور آلان تورين  وذلك  في كتابه الموسوم:" براديغما  جديدة لفهم عالم اليوم " يؤكد على أن الذات لا تكون حرة إلا إذا قاومت عالم الاستهلاك و كل وسائله  الإيديولوجية  وفي هذا الصدد يقول :  "إنني احدد الذات الفاعلة لمقاومتها عالم الاستهلاك اللاشخصي  أو عالم العنف  و الحرب، إن الذات الفاعلة  هي استحضار للذات، هي إرادة العودة للذات  بعكس  تيار الحياة العادية، إن فكرة الذات الفاعلة تتستدعي إلى خاطري فكرة النضال الاجتماعي إضافة إلى فكرة الوعي الطبقي والشعور القومي  في مجتمعات سالفة  لكن بمضمون مختلف ينأى  على كل تمظهر خارجي، ويتجه مع بقائه  صراعيا  نحو الذات بالكامل،  إذا كان أول ما خطر ببالي من أجل  توضيح فكرة الذات الفاعلة  يستحضر صور المقاومين المقاتلين من أجل الحرية " .  لهذا فحسب  آلان تورين  حرية الشخص  ليست معطاة سلفا، ولا يمكن الوعي بها  في معزل عن حركية الواقع،  بل الذات الفاعلة لا تكون حرة إلا من خلال نضالها  المستمر على جميع المستويات  الثقافية والسياسية،  من أجل الحصول على حريتها. وعلى ضوء الواقع الذي نعيش فيه  يمكننا أن نتسائل إلى أي حد يمكن لتعميم الفكر الفلسفي أن يعمق نظرتنا للإشكالات المصيرية ؟، وإلى أي حد يمكننا القول  أننا أحرار ونحن  نعيش  في ظل مجموعة من  الحتميات  التي تتجسد في إكراهات  داخلية  تتجسد بدورها  في إكراهات نفسية وبيولوجية، وكذلك إكراهات داخلية  تتمظهر في الإكراهات  الاجتماعية والسياسية و الثقافية و القانونية والدينية، أليس قولنا أننا أحرار سببه جهلنا بالحتمية؟.


هناك 7 تعليقات:

  1. تحية لكل المربين ولهذه التلميذة المبدعة

    ردحذف
  2. عمل ممتاز وجيد بتوفيق وشكرا على استاذها

    ردحذف
  3. رائع جدا جدا خصوصا إذا كان محتوى النص من عصارة أفكارها

    ردحذف
  4. موضوع ممتاز. روعيت فيه جميع الشروط العلمية التي يفترضها تناول إشكالية من هذا القبيل

    ردحذف
  5. الله الله ما هده اامقالة هده الانسانة لديها مخيلة جميلة وتعرف كيف تتعامل مع اامقالات و شكرا كان معك تلميد شادي

    ردحذف
  6. يا سلام يا لها من تلميدة جميلة و تعرف كيف تتعامل مع مقالات لديها مخيلة جميلة كان معك شادي

    ردحذف