v ملاحظة مهمة:
لكي نجيب على الإشكالات التي طرحناها، وفيما يخص المحور الأول الذي يجب أن نكون دقيقين في تجاوز الخلط الذي يطال تناول هذا المحور في بعض الأحيان حسب التصنيف الذي قدم به في الكتاب المدرسي، يجب الانتباه أن التساؤل حول مفهوم الشخص تارخيا سابق على تحديد هويته الشخصية لذلك سنجعل تصور بليز باسكال هو نقطة الانطلاق لكي نؤسس عليها باقي التصورات:هل الشخص معطى طبيعي وقابل للإدراك والمعرفة كجوهر مستقل أم أنه نتاج عملية بناء تتدخل فيه مختلف المؤسسات الإجتماعية؟
موقف بليز باسكال / من خلال نص صفحة 14 من الكتاب المدرسي
الشخص جوهر لا يمكن معرفته:
ينطلق باسكال من طرح مجموعة من الأسئلة يميز من خلالها الشخص باعتباره جوهرا/نفساوالشخصية باعتبارها أعراضا ثانوية/جسم/صفات خارجية يتجلى من خلالها هذا الشخص لباقي الأشخاص، ومن هنا نجد مع باسكال أنه يصعب تحديد مفهوم الشخص لأن كل ما نعرفه هو أعراض خارجية لشخصية الشخص، فالشخص عند باسكال باعتباره "أنا" تتوارى خلف الشخصية التي ترى للعين و ينفلت من محاولاتنا لإدراكه و معرفته وكل ما يمكننا معرفته هو الصفات والسلوكات المميزة للشخص والقابلة للزوال، وهنا نلاحظ التأثير الأفلاطوني في فكر باسكال الذي أقام هو أيضا تعارضا بين وحدة النفس ووحدة الجسم في محاورة فيدون فالنفس/الشخصباعتبارها جوهرا لا يعرف طريقه للخلاص إلا حين يتحرر من عوائق الجسد باعتباره عرضا زائل.إن الشخص عند باسكال جوهر لايمكن معرفته أو إدراكه.وهو ما بينه من خلال مثال النظرة التي أكد من خلالها أنها لا تمكنني من إدراك "أنا"الشخص ومعرفتها بل تضعني فقط أمام ما يتجلى منه وهو جسمه وسلوكاته وصفاته الخارجية، كما أعطى مثالين للحب الذي يتأسس على الجمال باعتباره عرضا أو على قوة الأحكام العقلية التي تظل فقط صفات قابلة للتلف والتلاشي . وبالتالي فما ندركه ونعرفه عن بعضنا البعض وفي بعضنا هو صفات معينة وليس الأنا كما تصورها ديكارت باعتبارها جوهرا متمايزا عن الجسم الذي سيظل عبارة عن آلة متغيرة لا يمكنها التعالي عن الزمان والمكان.
موقف إميل دوركايم: الشخص باعتباره تجلي وبناء اجتماعي:
ينطلق إميل دوركايم في كتابه"التربية والسوسيولوجيا" من نفي أي وجود للشخص الذي حددته المقاربة الفلسفية كجوهر متفرد ومتعال ومنعزل عن الواقع الإجتماعي، فعلى مستوى الإنسان ككائن حي يوجد كائنين"الأول يتكون من مجموع التجارب الذاتية الخاصة ويسمى الفرد والثاني هو عبارة عن نسق من الأفكار والمعتقدات الدينية والممارسات الأخلاقية والعادات الوطنية والمهنية والآراء الجماعية ويسمى الكائن الإجتماعي الذي يتشكل وينشئ عن طريق التربية، فالشخص ليس معطى جاهز يبنى في نوع من العزلة الأنطولوجية، بل هو نتاج وتجل لنظام التربية والتأهيل والتنشئة الإجتماعية، إن الشخص في العلوم الإنسانية مع دوركايم هو تجل اجتماعي.بعبارة أخرى فحسب دوركايم لا نولد أشخاصا ولا وجود للشخص كجوهر مفكر ومتعال ومستقل كما تصورته الفلسفة الديكارتية لأننا حسب دوركايم نولد فقط عبارة عن كائنات حية(صفحات بيضاء بتعبير جون لوك) وعن طريق التربية والتنشئة الإجتماعية التي تتدخل فيها مجموعة من المؤسسات الإجتماعية من قبيل -الأسرة والمدرسة والإعلام والشارع- والتي تزودنا بقواعد السلوك واللغة والأخلاق والعادات والتقاليد لكي نصير أشخاصا في المستقبل، إننا لانولد أشخاصا بل كائنات حية(بيولوجية) وعن طريق التربية نصير أشخاصا حسب دوركايم.
شكرا لكم استاذي
ردحذف