آخر الأخبار

الخميس، 2 مارس 2017

الهوية و العولمة عند علي حرب "حديث النهايات: فتوحات العولمة ومآزق الهوية"

*الزاهيد مصطفى: أستاذ الفلسفة/المغرب
تقديم عام:
       إذا كان بعض المفكرين العرب أو المغاربة، قد تعرضوا  لموضوع العولمة من منطلق "الهاجس/الدفاع"عن الهوية و الخصوصية" فهي عند علي حرب كما بين في كتابه"حديث النهايات: فتوحات العولمة ومآزق الهوية" ليست هاجسا مخيفا يجب أن ننهج تجاهه سياسة الإحتراز،
أو أن  نقف ضدها كحراس للقيم، بل هي إمكان منفتح يعطي إمكانيات قابلة للتطويع  والتحويل لما يتلاءم معنا. وفي صميمية عملية التحويل هذه والتطويع، يمكن للهوية أن تتجدد وتتمدد، فالهوية ليست شيء ثابت بل هي إبداع مستمر للذات والمجتمع، ويمضي علي حرب في التحليل ليكشف أن خطاب الهوية خطاب طوباوي حول معطى ديناميكي يبنى بشكل مستمر في عملية تفاعلية مع العناصر المشكلة للواقع، ومن هنا يعلن علي حرب نهاية كل الخطابات التقليدية حول التراث والحداثة لأن "ثنائية  الهوية و العولمة" تتجاوز، بقدر ما تستبطن، المتعارضات التي كانت متداولة حتى الآن، كثنائية التراث والحداثة، أو الأصالة و المعاصرة، أو الخصوصية والعالمية.فلكل عصر قضاياه كما له فتوحاته واختراعاته" والسؤال الأساسي الذي ينبغي أن يطرح حسب علي حرب لفهم ظاهرة العولمة هو :"كيف يتشكل العالم و يسير؟و ما هو دور الأفكار في ظل الإنفجار التقني لوسائط الإعلام؟وما مستقبل الهويات الثقافية في عصر المعلومة الكونية؟ وبنظرنا فخطاب العولمة والهوية عند علي حرب يمكن توصيفه ومقاربته من خلال النظر  للعولمة باعتبارها:
·       العولمة هي التدفق السيّال للمعلومة والبضائع
·       العولمة تحريك للأفكار والقيم والثقافات
·       العولمة إمكان قابل للإستثمار والخلق والتحويل
·       العولمة هي التحالف بين الثالوث:المعرفة/السلطة/القوة في تشكيل العالم
1. العولمة هي التدفق السيّال للمعلومة والبضائع
       بتأثير من فلاسفة الإختلاف و تيار ما بعد الحداثة، يتبنى علي حرب تصورا للواقع الذي خلقته العولمة بكل آلياتها الجديدة مؤسسا على مفهوم الإفتراضي الزمني والمكاني، و الإفتراضي هنا، ليس المتخيل بل هو النسخة المتعددة الأصلSUMOLACRE  وبدون أي أصل، وهكذا حسب علي حرب "نحن إزاء فتح كوني يتغير معه سير العالم على ما كان يجري عليه حتى الآن، سواء في عصر المصنع أو في عصر الحقل، حيث كان التعاطي مع الواقع يتم عبر المصنوعات المادية من السلع والأدوات، أو عبر الإنتاجات الذهنية من الأساطير والعقائد أو من المثل والنظريات.
        مع الدخول في عصر الحاسوب، تنقلب الأمور بالكلية، إذ يصير التعاطي مع العالم، بأدواته المادية وأجهزته الإيديولوجية، من خلال خلق عالم آخر إصطناعي، أصبح يتحكم بالواقع ومعطياته، عبر أنساق المعلومات وأنظمة الأرقام التي تجوب الفضاء السبراني. وتلك هي مفاعيل ثورة المعلومات التي هي الآن مدار الاختلاف والسجال. إنها تشكل واقعة العصر الأولى، عند من يحاول قراءة العولمة، ظاهرة مفردة، قراءة فعالة ومثمرة. هذا الإنقلاب الكوني حسب علي حرب يجعل نسق المعلومة وطريقة اشتغالها "بمثابة نظام الأنظمة في التفكير والعمل والبناء، في إدارة الكلمات والأشياء، إنها ما يغير قواعد اللعبة الوجودية"، فالعولمة عند علي حرب كما قلنا يمكن قراءتها من منطلق التدفق السيّال للمعلومات والبضائع حيث يقول "أن نظام المعلومة هو بنية العولمة ومكمن قوتها السيّالة والجارفة، فالعولمة استطاعت أن تتيح للجميع الحق في المعلومة وفي المشاركة في المعلومة، بل وفي صياغتها وتحريرها وتعديلها في نفس الآن لنأخذ مثال blooger أو المواقع الإخبارية، فهي تتيح للقارئ التعليق والنقد في نفس الآن، بل إنشاء موقع أو مدونة لنشر معلومات أو أفكار ورؤى، أو الإعتراض على سياسات حكومية، وتكوين رأي عام متعاطف، أو قراء متابعين.
2. العولمة تحريك للأفكار والقيم والثقافات:
       يقول المثل الصيني: الصورة بألف كلمة في تكثيف عميق لفلسفة الصورة، ما يصنع العالم اليوم هو الوسيط البصري، و ارتباط الأفراد والمجتمعات والثقافات بشكل وثيق الصلة اليوم بأجهزة الحاسوب/الشبكة العنكبوتية/الهواتف النقالة/أجهزة التلفاز/الصحون اللاقطة للأقمار الإصطناعية، فالفرد اليوم أصبح غير مقيد بزمن ومكان محددين، فهو متواجد في جميع الأمكنة وحتى إن لم يكن وجوده فزيائيا فالوجود السبراني كما يحدده علي حرب أو الوجود الإفتراضي، أو المصطنع بتعبير أدق حسب بودريار، يتيح للفرد معرفة وتلقي الأخبار من أي مكان و أي ثقافة في العالم، بل ومن أي نقطة مرجعية يتواجد فيها فوق كوكب الأرض، لذلك فالحديث عن قيم أو ثقافة أو أفكار مشتركة لجماعة معينة هو عقم إبستمولوجي وعلمي خطير لابد من التنصل منه أو إستئصاله، لأنه لا يعي بالتحولات الجذرية التي أحدثتها العولمة في العالم وفي المفاهيم التقليدية التي كان يدرك من خلالها العالم، والواقع المشكّل لذات العالم، فلم تعد مفاهيم من قبيل السلب/التناقض/الجدل/ مسعفة في إدراك مفهوم الواقع، بل لابد من فكر جذري كما ينادي بذلك بودريار أو فكر أثيري كما يسميه علي حرب، قادر على مد الفرد بالعدة المنهجية لفهم منطق العالم/الحدث، والمشاركة فيه من أجل استيعابه "فالعولمة تطال الثقافة بالذات، بما هي منظومة من الرموز والقيم يخلع بواسطتها الإنسان المعنى على وجوده وتجاربه ومساعيه، فالثقافات بما هي مرجعيات للدلالة وأنماط للوجود والحياة، خاصة بكل أمة أو دولة أو مجتمع، تجد نفسها الآن عارية أمام تدفق الصور والرسائل والعلامات التي تجوب الكرة على مدار الساعة. فالعالم يتشكل اليوم بطريقة مختلفة وبواسطة قوى جديدة، الأمر الذي يعني أن الثقافة بدأت تتغيّر، سواء من حيث أطرها ومضامينها، أو من حيث وسائطها ومسالكها، أو من حيث آليات تشكّلها والقوى التي تسهم في إنتاجها واستهلاكها. والمهم في ذلك أن الوسائط تؤدي إلى عولمة المعرفة، إذ تتيح للمرء الإطلاع على كل معارف العالم عبر الشبكات الإلكترونية التي بدأت تحل مكان المكتبات العامة"، وهكذا حسب علي حرب، نقلا على فنليكرو في كتابه 'الإنسانية الضائعة' فنحن إزاء إمكانيات جديدة، للوجود و الحياة، تنبثق على نحو لا نظير له من قبل.وهي تسفر ليس فقط عن عولمة السوق والمدينة والسياسة، بل تفضي إلى عولمة الأنا بما هي حامل للدلالة ومولد للمعنى ومنتج للثقافة و المعرفة".
3. العولمة إمكان قابل للإستثمار والخلق والتحويل:
        يقول علي حرب "لقد حسبنا طويلا من قبيل التهوين أو التهويل، أن بإمكان المرء أن ينسلخ عن تراثه أو ينقطع عن ماضيه وذاكرته.في حين أن الماضي هو ما يقودنا إلى ما نحن عليه في حاضرنا، فإما نستثمره بصرفه إلى أعمال ومنجزات، وإما يتحول إلى عائق يصرفنا عن فهم الواقع وصناعة العالم.كذلك الموقف من الحداثة، فالبعض لازال يظن أنه لم ندخل عالم الحداثة بعد، مع أننا ننتمي إلى الزمن الحديث منذ الطهطاوي، بل منذ دخول المطبعة إلى جبل لبنان.فإما أن نكون حداثيين خلاّقين و منتجين، وإما أن نكون مجرد مستهلكين. من هنا لا جدوى من إقامة التعارض بين الخصوصية والعالمية، لأنه لا يوجد خصوصيات، مع الفارق هو أن هناك خصوصيات قوية تفرض نفسها على مسرح الأمم بالخلق والإبتكار، بهذا المعنى إما أن تكون خصوصية ثقافية مبدعة أي عالمية أو لا تكون. والمشكل حسب علي حرب ليس في العولمة أو الأمركة، بل لا خوف على الهوية فالخطر الأخطر عليها نابع منا نحن دعاة حمايتها والمحافظين على تكلسها ضد سيرورة الواقع وتحولاته، من هنا فإن مشكل هويتنا الثقافية ليست اكتساح العولمة والأمركة، على ما نظن ونتوهم، بل في عجز أهلها عن إعادة ابتكارها وتشكيلها في سياق الأحداث والمجريات أو في ظل الفتوحات التقنية والتحولات التاريخية، أي عجزهم عن عولمة هويتهم وأنظمة اجتماعهم وحوسبة اقتصادهم وعقلنة سياستهم وكوننة فكرهم ومعارفهم، تلك هي المشكلة الحقيقة التي نهرب من مواجهتها:عجزنا حتى الآن عن خلق الأفكار وفتح المجالات، أو عن ابتكار المهام وتغيير الأدوار لمواجهة تحديات العولمة على صعدها المختلفة"  فالعولمة إمكان يمكن استثماره لما يخدم الذات ويحررها.
4. العولمة هي التحالف بين الثالوث: المعرفة/السلطة/القوة في تشكيل العالم
       لا يمكن فهم ظاهرة العولمة في العالم المعاصر وكيف تتشكل الهوية، دون فهم للتحول الجذري الذي مس تاريخيا العلاقة بين القوة والمعرفة والسلطة، فكل هذا الثالوث أصبح عبارة عن ممارسة خفية تساهم في تشكيل وقولبة الهوية، وهو ما يشكل ماهية وإستراتيجية العولمة، فآليات اشتغال الخطاب الإعلامي لا يمكن فهمها دون استحضار الأبعاد الثلاث، السلطة والمعرفة والقوة، فالرأسمال المادي الذي يشكل قوة المؤسسة الإعلامية وكذلك الخبراء والمادة المعرفية الموظفة في البث الإعلامي، بالإضافة إلى سلطة القائم على الإتصال، ودور المادة الإعلامية التي يقدمها في تشكيل وقولبة وعي الرأي العام، هي الأسس الصلبة للعولمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق