آخر الأخبار

الاثنين، 13 مارس 2017

الحق والعدالةDroit et justice

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام لمفهومي الحق والعدالة
إن الغاية من تأسيس الإنسان للدولة كان هو الحفاظ على الحق في العيش والأمن والاستقرار والحرية لكل الأفراد بغض النظر عن لونهم أو جنسهم، لأن الناس جربوا الحياة بمقتضى حق الطبيعة ولم يكن
أحد منهم قادرا على أن يضمن لنفسه البقاء لأن العيش بمقتضى حق الطبيعية يتيح لكل أحد قوي أن يقضي على من هو أضعف منه، ونظرا لكون الإنسان رغب في تحسين ظروف حياته وحمايتها  فإنه كان مطالبا بل مفروضا عليه أن يلجأ إلى التعاون والتعاقد مع الآخرين، فالعيش تحت رحمة القوانين الطبيعية يجعل الإنسان معرض\ في أي لحظة للإغارة من طرف الآخرين وهكذا يصبح الإنسان أسيرا للخوف ولآنفعالاته ورغباته أكثر من احتكامه لملكة العقل، إن الخوف من هجوم القوي في أي لحظة جعل الإنسان يفكر في الإمكانيات الأخرى التي تتيح للجميع العيش بالمعية رغم اختلافاتهم شريطة الإلتزام بجملة من الضوابط الكابحة للنزعات والإنفعالات بغية تأسيس مجتمع تنتفي فيه كل التمايزات ويكون فيها الحق مكسبا للجميع وتتحقق العدالة.
§    من الدلالات اللغوية والمعجمية والفلسفية إلى الإشكالية الفلسفية
يحيل مفهوم الحق Droit اشتقاقيا على ما هو مستقيمDirectume  أي ما لا يميل يمنة أو يسرة وما لا يحيد عن وجهته. والحق عند جروتيوسGrotius  يكتسي دلالة خاصة عندما يوافق ما يأمر به العقل السليم أو المستقيم Recta Ratio  واصطلاحا يفيد مجموعة من القواعد العادلة والمشروعة، ويصطلح على الحق في اللاتينية ب Jus  الذي يعني ما يعود للإنسان من حيث هو إنسان. ومنه يشتق الحق الطبيعي Jus naturele الذي بلوره فلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر ويعني الحرية الطبيعية لكل إنسان لاستخدام قواه الخاصة للمحافظة على حياته وحرية أن يفعل ما يراه مناسبا بمقتضى العقل، الحق الطبيعي إذن تمنحه الطبيعة أي طبيعة الإنسان بما هو إنسان لحماية نفسه، والحكم المدني هو الكفيل بالانتقال إلى مستوى التحضر وبالتالي اكتشاف الحق الوضعي الذي يضمن للإنسان بقاءه وحريته وملكيته دون استعمال قوته الخاصة بل القوة العمومية، ودون استثمار أهوائه كالغيرة والانتقام والكراهية مثلا لرد ما ضاع منه بل باستردادها عن طريق القانون والقضاء. هذا المعنى العملي للحق مع فلاسفة الانوار هو ما يجعله مرتبطا بمفهوم آخر هو العدالة.
أما العدالة فتحيل في المعنى العام على ما يدل على الخضوع والإمتثال للقوانين والإخلاص لواجباتنا نحو الآخرين أما في اللغة المجازية فيقترن هذا اللفظ بالميزان لأنه يزن أفعالنا دون زيادة أو نقصان ولا يغلب حكما على آخر، وفي اللغة الفرنسية اشتقت كلمة Justice من الكلمة اللاتينية Jus والتي تعني الحق le Droit أو Judex وهو قول الحق dire le droit والعادل le juste  و هو قائل الحق.
أما في معجم لالاند A.Lalande  نجد تمييزا بين عدة معان بصدد الحديث عن العادل منها أن العادل :
1.                  ما هو مطابق للقانون سواء كان طبيعيا أو وضعيا
2.                  هو صفة للشخص الذي يحكم على الآخرين  دون توظيف أو تبعية لعواطفه وميولاته وأهوائه، فالعادل إنسان خيّر وإرادته مطابقة للقوانين الأخلاقية.
وهكذا يصوغ لالاند تعريفا فلسفيا  للعدالة تعني حسبه صفة لما هو عادل، ويستعمل هذا اللفظ في سياق خاص عند الحديث عن الإنصاف Equité أو الشرعية Légalité كما يدل لفظ العدالة تارة على الفضيلة الأخلاقية، وتارة على فعل أو قرار يهدف إلى سيادة العدالة، أو يدل على السلطة القضائية.
إن كل هذه التحديدات لمفهوم العدالة يمكننا أن نستخلص منها ما يلي أن لفظ العدالة سواء في التداول العام أو في بعض المعاجم المختصة تحيلنا على مستويين في الدلالة:
1.  مستوى يرتبط بالمؤسسات القانونية والقضائية، التي تضمن السير العادي للعلاقات التي تربط الناس بعضهم بالبعض الآخر.
2.  مستوى يرتبط بالعدالة كدلالة أخلاقية تتضمن اختيارات الأشخاص أنفسهم، اختيارات تنبني على اختيار ما هو أخلاقي.
3.  مستوى ترتبط فيه العدالة بمفاهيم أخرى من قبيل المساواة والحق والحرية.
§    خلاصات عامة :
وهكذا يظهر ويتجلى لنا التقاطع الحاصل بين مفهومي الحق والعدالة، فالعدالة بالمعنى المعياري لا قيمة لها إلا إذا كانت ضامنة للحقوق وحافظة لها، والحق لا يمكن أن يكون مضمونا إلا في ظل دولة عادلة تقوم على الحق وتمنع القانون من الإنحراف على مقاصده وغاياته، فالحق هو السند الذي يرتكز عليه القوي لإضفاء المشروعية على قوته والضعيف لإضفاء المشروعية على مطالبه فيمثل قيمة مثلى بالنسبة لكل منهما وإن تم تأويله بكيفيات مختلفة.
وبناءا عليه فإن العلاقة بين الحق والعدالة تحمل العديد من المفارقات، فالحق من جهة ذو أساس وضعي ومن جهة أخرى ذو أساس طبيعي، كما أن يزاوج بين الإلزام والإلتزام، وإذا كان يرمي إلى تحقيق العدالة فقد يكون في نفس الآن هو وسيلة من وسائل تحقيق الهيمنة وتكريس التفاوتات والحفاظ على التراتب، وإذا كانت غاية الحق والقانون هو تحقيق العدالة هل يحقق الإنصاف أم المساواة. وهو ما سنعمل على معالجته من خلال المحاور الآتية:
1.   الحق بين الطبيعي والوضعي
2.   العدالة كأساس للحق
3.   العدالة بين الإنصاف والمساواة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق