آخر الأخبار

الخميس، 27 أكتوبر 2016

العلاقة مع الغير :أفلاطون/أرسطو/كارل شميت

ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم خاص للمحور:
لا يمكن اختزال العلاقة مع الغير إلى علاقة معرفة، فهذه العلاقة مركبة ومتعددة الأبعاد في الواقع الفعلي، وكل بعد من هذه الأبعاد تتقاسمه قيمتان متعارضتان: إيجابية وسلبية ( المحبة والكراهية، الاعتراف والإقصاء، الصداقة والعداوة.
إن الغاية من التفكير في العلاقة الممكنة مع الغير مرده إلى انهمام الفلاسفة بإشكالية سياسية ترتبط بتنظيم المدينة/الدولة Polis سياسيا وثقافيا وأخلاقيا،
إذ لاحظ الفلاسفة أن القوانين منذ اليونان ليست مثالية وغير قادرة على جعل المجتمع أكثر أمانا وسلاما، تسوده قيم التضامن والتعايش، إذ تعبر نزوعات الأفراد والجماعات في كل حين عن العنف والحرب، وهو ما جعل الفلاسفة يفكرون في الغير وفي التنظير للعلاقة معه على أسس أخلاقية تتجاوز الإكراه القانوني إلى الالتزام الأخلاقي تجاه هذا الغير باعتباره ذاتا وأنا آخر، وليس عدوا دائما أو خصما أو نقيضا مهددا للأنا ومن هنا يمكن التفكير في إشكالية العلاقة مع الغير انطلاقا من جملة التساؤلات الفلسفية : ما طبيعة العلاقة التي تجمع الأنا بالغير؟ هل هي علاقة أساسها المتعة والمنفعة أم علاقة أساسها الفضيلة؟هل نصادق الآخرين لأننا نبحث عن الكمال أم لأننا نحس بالنقص؟هل العلاقة مع الغير غايتها حفظ البقاء والنوع أم غايتها تأسيس مجتمع يسوده التضامن والتسامح وينبذ الحرب والعنف؟

موقف أفلاطون :العلاقة مع الغير أساسها الحب الذي تحس به الأنا تجاه الغير، هذا الحب الموجه نحو الغير غايته تحقيق الكمال وتجاوز نقص الأنا
يدافع أفلاطون في محاورة ليسيسLysis  التي خصها لبحث موضوع الصداقة، على أن الصداقة علاقة محبة متبادلة بين الأنا والغير، أساسها حالة وجودية وسط بين الكمال المطلق والتواصل المطلق، بين الخير الأقصى والشر الأقصى، لأن من يتصف بالكمال والخير المطلقين يكون في حالة اكتفاء ذاتي إلى الغير ومن يتصف بالشر والنقص المطلقين تنتفي فيه الرغبة في طلب الكمال وللخير، لذلك فالصديق هو من يتصف بقدر كاف من الخير والطيبة يدفعه إلى طلب خير أو كمال أسمى، وبقدر من النقص لا يمنعه من ذلك، وكأنه يبحث في الغير عما يكمله.
موقف أرسطو:الصداقة فضيلة ، تمنعنا من النظر للآخر باعتباره مفيدا أو نافعا بل باعتباره صديقا
في نفس السياق يضيف أرسطو أن الصداقة، فضيلة، فهي تمثل قيمة إيجابية وسامية، ضرورية للحياة المشتركة، وهي الرابطة التي يمكن أن تجمع بين الناس، فإذا عمت علاقات الصداقة بينهم داخل المدينة فلن يحتاجوا إلى العدالة والقوانين.
يميز أرسطو بين ثلاثة أصناف من الصداقة: صداقة المنفعة وصداقة المتعة وصداقة الفضيلة.فالصنفان الأولان متغيران يتوقفان على ما هو نافع وممتع، ينتفيان بانتفاء أساسهما، أما الصنف الثالث فهو الذي يستحق اسم الصداقة الحقة. لأنه ينبني على محبة الخير والجمال لذاتهما، وهو فضلا عن ذلك يوفر المتعة والمنفعة، ولكن ليس كغايتين في ذاتهما، بل كنتيجة فقط. يتناول أرسطو الصداقة كقيمة أخلاقية ومدنية، ويركز في تحليله لها على الأشكال الواقعية. الصداقة كتجربة معيشة، بخلاف التصور المثالي للصداقة عند أفلاطون القائم على الحب، والتي تمثل عنده حالة وجودية تتوسط الخير الأقصى والشر الأقصى، ولذلك فإن الصديق هو من يتصف بقدر كاف من الخير يدفعه إلى طلب الخير الأسمى. أما من يتوفر على الكمال والخير المطلقين فهو في حالة اكتفاء ذاتي لا يحتاج فيه إلى الآخر، ومن يتوفر على الشر والنقص المطلقين تنتفي معه إمكانية طلب الخير والكمال. فالعلاقة التي يمكنها أن ترتقي بالمدينة/الدولةPolis  بين الغير والأنا هي العلاقة القائمة على صداقة الفضيلة، لأنها تقوم على محبة الخير والجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا، لذلك تدوم وتبقى، وفي هذا النوع من الصداقة تتحقق المنفعة والمتعة أيضا، ولكن ليس كغايتين بل كنتيجتين للصداقة، لذلك فإن صداقة الفضيلة نادرة، لكنها تظل ضرورية ومطلبا للحياة المشتركة، ولو أمكن قيام الصداقة الحق، صداقة الفضيلة بين الناس جميعا، لما احتاجوا إلى العدالة والقوانين والدولة.

كارل شميث : التمييز بين الصديق والعدو هو المميز للعلاقة بين الأنا و الغير، الأنا عند شميث جماعية، والغير كذلك ذات جماعي، إنه يتحدث عن دولة في علاقتها بدولة أخرى، كأقصى تمثيل للعلاقة بين الأنا والغير الذي تظل العلاقة معه  محكومة بالعداء أو الصداقة. التي لا يمكنها أن تكون دائمة ولا العداء دائم، بل المصالح هي التي تحدد طبيعة العلاقة.
يناقش كارل شميث الفيلسوف الألماني، في كتابه "اللاهوت السياسي" كل التصورات الفلسفية التي نظرت لإشكالية العلاقة مع الأخر من منظور الصداقة أو الفضيلة، موجها نقدا لاذعا لكل هذه التصورات الليبرالية أو الساذجة التي تريد أن تقصي الحقيقة التي يقوم عليها العيش بالمعية والعلاقات في مستواها الكوسموبولتيكي(الكوني) فانطلاقا من فلسفة شميث"لا يمكن أن يكون لنا أصدقاء حقيقيون حتى يكون لنا أعداء حقيقيون، ولا يمكننا أن نحب أنفسنا ما لم نكره غيرنا، هذه هي الحقائق القديمة التي نعيد اكتشافها اليوم بأسى كبير بعد قرن و يزيد من الرياء العاطفي"، عندما ننظر للعدو في تصور كارل شميث نجده لا يقصد به الخصم أو المنافس الإقتصادي أو الأخلاقي بل العدو هو ذلك الذي غايته إحداث موت فزيائي للأنا في المعركة أو الحرب أي الوضع الإنساني الأكثر مجازفة.وبالتالي فالعلاقة مع الغير(الذات الجماعية المختلفة) مع الأنا (الذات الجماعية) محكومة بالعداء أو الصداقة المبنية على المصالح المشتركة والتي تتمثل في حفظ الذات وبقائها ضد أي تهديد خارجي.

خلاصات عامة ّ وانفتاح على مفهوم التاريخ:

من خلال مناقشتنا لإشكالية الغير في مختلف مستوياتها، تبين لنا أن إشكالية الغير هي قضية وجودية لأنها مرتبطة بالحياة الإنسانية التي لن يستقيم تنظيمها على مستوى الدولة إلا بتدبير العلاقة مع الغير في مختلف تجلياتها وفحص هذه الإشكالية كانت غايته إيجاد الوسائل والآليات لوضع تصورات تربوية غايتها تنشئة الأفراد داخل المدينة/الدولةPolis  على أساس الوعي بالعلاقة مع الغير في مستواها الميكرواجتماعي(علاقة أنا فردية بأنا فردية أخرى مختلفة) إلى المستوى الماكرواجتماعي الذي تبدوا فيه العلاقة مع الغير وتدبيرها ضرورية للدولة، فإذا كان البعض ينظر للغير باعتباره عائقا أو مهددا للأنا، فالبعض نظر إليه باعتباره ضروريا، لكن العلاقة معه لا تستقيم بدون معرفة مسبقة، هذه المعرفة المسبقة التي تطرح علينا مجموعة من العوائق، فالمعرفة تؤدي إلى الموضعة والتشييء وهي مفيدة في الطبيعة والعلم لكن تطبيقها على الإنسان لا يؤدي إلى نتيجة لأن معرفة الإنسان تظل نسبية ومتغيرة، لذلك نجد أن الفلاسفة يركزون على ضرورة الابتعاد على التخمين وسوء النية والقوالب الجاهزة التي تنشئها الأنا وتطالب الغير بالتطابق معها، فالإختلاف في الفلسفة المعاصرة ضروري لإغناء الوجود الإنساني.
إن مجزوءة الوضع البشري جعلتنا بشكل عام نقف على الشروط التي يوجد فيها هذا الكائن الحي الذي يقذف به إلى العالم ومن خلال مختلف المفاهيم التي تطرقنا إليها من الكائن الحي البيولوجي إلى  الشخص إلى الغير يبدوا لنا أن الإنسان حينما ينظم علاقته مع الغير ينخرط معهم في أعمال وإنتاجات إبداعية تجعلهم يصنعون بوعي أو بدون وعي تاريخهم الخاص، هذا التاريخ الذي يتداخل فيه الإبداع الفردي بالإبداع الجماعي، فيصير الإنسان بهذا كائنا تاريخيا، يتجاوز الحسي ليساهم في التأثير والتأثر بمجموعة من الأحداث والوقائع، وليست الأساطير والقصص والروايات التي تصلنا عن الماضي الإنساني إلا دليل واضح على أن هذا الإنسان يأبى  الإجتثاث ويقاوم الموت لأنه يترك دائما أثرا، يبهرنا به، فليست المايا أو الأنكا أو البابليين والأشوريين والفراعنة بقايا ميتة بل هي وقائع تاريخية لدنيا حولها معرفة نتداولها ونتناقلها بيننا في المدارس والجامعات وكل المؤسسات العلمية، وهو ما يجعل إشكالية التاريخ تطرح نفسها أمام الفحص الفلسفي إنطلاقا من: ما التاريخ؟ وما قيمته وأهميته بالنسبة لحاضر الإنسان؟ وماهي طبيعة المعرفة التاريخية؟ وأي منطق يحكم التاريخ؟ وما هو دور الإنسان في هذه الأحداث والوقائع التاريخية؟

هناك تعليق واحد: