ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام
إن العلم لا يفكر في ذاته هكذا قال هيدغر يوما، وهو ما يعني أن الفلسفة تقوم بذلك، إن المبحث الذي يفكر في العلم ضمن الفلسفة يسمى بفلسفة العلوم الإبستمولوجيا l’épistémologie، لقد حاولت الإبستمولوجيا أن تفكر في تاريخ العلم والمعرفة العلمية، وكانت الغاية هي نقد الأسس والمبادئ التي يقوم عليها العلم بل نقد كذلك إدعاءاته (اليقين/الحقيقة المطلقة/...).
إن التفكير في تاريخ العلم رغم كونه حديث النشأة إلا أننا نجد تفكيرا في شروط المعرفة العلمية حاضرة لدى الفلاسفة عبر تاريخها، فقد فكر أفلاطون في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم الرياضي في اليونان(الدوكسا أو الإيدوس) كما فكر في ذلك أرسطو،
إن التفكير في تاريخ العلم رغم كونه حديث النشأة إلا أننا نجد تفكيرا في شروط المعرفة العلمية حاضرة لدى الفلاسفة عبر تاريخها، فقد فكر أفلاطون في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم الرياضي في اليونان(الدوكسا أو الإيدوس) كما فكر في ذلك أرسطو،
لكن التفكير في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم والمعرفة العلمية تتغير من لحظة تاريخية للأخرى فتفكير اليونان مختلف عن تفكير علماء العصر الحديث والمعاصر.فإذا كان بعض الفلاسفة قد أعلوا من قيمة العقل(النظرية )على حساب الواقع (التجربة) فإن البعض جمع ووفق بينهما ورأى أنه لا معرفة علمية بدون تجربة تحاور النظرية. فما النظرية وما التجربة؟ وكيف تنتج المعرفة العلمية؟ وما خصائص العقلانية العلمية ؟وبأي معيار نقيس علمية نظرية ما؟وفي الأخير لماذا نطلب تحصيل المعرفة العلمية؟ إن كانت الحقيقة هي الغاية؟ فما هي الحقيقة ولماذا يطلبها الناس هل لنفعيتها أم لقيمتها ..؟
النظرية والتجربة
من الدلالات اللغوية إلى الإشكالات الفلسفية
يحيل لفظ النظرية أو النظر في لغة الحياة اليومية على الرأي أو الحكم والقول، فمثلا قد تقول لشخص ما: ما رأيك؟ وما نظرك؟ وهي صيغ نستعملها لتعبير في حياتنا اليومية والغاية منها معرفة رأي شخص ما ونظرته في أمر ما، هنا تكون النظرية في الدلالة العامية مرادفة لتفكير في ما هو عملي، لكن في نفس الآن مقابلة ومتعارضة مع الفعل والتجربة، فالنظر والمعرفة النظرية لدى الحس العام المشترك إذا لم تقترن بالتجربة والعمل فإنها تتخذ معنى قدحيا، فتحيل على غياب الفعالية وعلى الحلم والسذاجة والإنفصال عن الواقع.فالمنظر مجرد حالم.عكس هذا التصور الذي يعطي القيمة للتجربة نجد الفلسفة اليونانية في بداية ظهورها خاصة مع أرسطو وأفلاطون قد أولت الأهمية الكبرى للنظرية فهذا المعلم الأول أرسطو: يقول في كتابه "الميتافيزيقا" الإنسان الذي يهتدي بمعطيات فن(علم) من الفنون أعلى ممن يتبعون التجربة وحدها، فالمهندسون فوق العمال اليدويين، والعلوم النظرية فوق العلوم العملية الخالصة".
من خلال تأملنا في كلا التصورين نلاحظ التعارض البيّن في الموقف من النظرية والتجربة وهو ما يفرض علينا العودة للمعجم لتحديد المفاهيم لغويا وفلسفيا.
في الدلالة اللغوية :
لفظ النظرية في الفلسفة العربية مشتق من "النظر" أي من فعل الرؤية والملاحظة بالعين، وكلمة théorieهي كتابة فرنسية لكلمة théoria الإغريقية المشتقة من فعل théorien بمعنى نظر ولاحظ ثم تأمل، وفي الدلالة الاصطلاحية و المعجمية تدل النظرية في العربية على ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعلام ما ليس بمعلوم، أما في اللغة الفرنسية تعني النظرية théorie في المعنى الأول "مجموعة من الأفكار والمفاهيم المجردة والمنظمة قليلا أو كثيرا، والمطبقة على ميدان مخصوص، وفي معجم روبير تعني بناءا عقليا منظما ذا طابع فرضي ...تركيبي".
في الدلالة الفلسفية
يحدد لالاند في معجمه الفلسفي النظرية بأنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ وهي تتعارض مع الممارسة أو التجربة بمعناها النفعي المصلحي، كما أن النظرية تتعارض مع الرأي والمعرفة التلقائية والعفوية، لأنها معرفة منهجية ومنظمة، تتوقف من حيث شكلها على القرارات والمواضعات العلمية التي لا تنتمي للحس المشترك وتتقابل النظرية مع المعرفة اليقينية لكون النظرية بناء فرضي، كما تتعارض مع الجزئيات والتفاصيل العلمية لأنها تركيب وبناء منهجي يخضع للصرامة المنطقية، النظرية بشكل دقيق مع فولكيه وبيير دوهييم هي"بناء عقلي يتم بواسطته ربط عدد من القوانين بمبدأ"، يمكن أن تستنتج منه بدقة وصرامة، فالنظرية لا تتألف فقط من أفكار ومفاهيم مجردة بل من قوانين ومبادئ تقوم بربطها على نحو استنتاجي".
الفرق بين التجربة والتجريب في التعريف المعجمي والفلسفي:
أما التجربة expérience في تعريفها فإنها تحيل على الواقع المباشر الماثل أمام العين المجردة، وعند لالاند هي المعرفة المباشرة والفورية التي نحرزها عن الوقائع والظواهر من خلال احتكاكنا اليومي معها وهي عكس التجريبexpérimentation فهو الإستعمال المنهجي للعقل يقوم على إجراء سلسلة أو جملة من الاختبارات أو التجارب من أجل إحداث تأثير في الواقع أو الظاهرة المدرسة وغايته الكشف عن القوانين والمبادئ المتحكمة فيها.
استنتاجات :
ما نخلص إليه هو أننا لا نهتم في العلم بالنظرية، أي الرؤية الساذجة والبسيطة والعفوية بل بالنظرية باعتبارها بناء عقلي منهجي ومنظم للواقع و للظواهر المدروسة وللقوانين التي تحكمها في علاقة بالتجربة، وهنا لا نتحدث عن التجربة العفوية والتلقائية لأنها في العلم لا تساهم في تطور المعرفة العلمية ولا في إنتاجها بل نتحدث عن التجربة المحدثة وفق منهج علمي يسمى التجريب expérimentation .فإذا كان مفهوم النظرية يحيل على التأمل والتفكير والتنظيم لشتات الواقع في مبادئ وقوانين علمية غايتها تفسير حدوث ووقوع ظاهرة ما في الواقع فإن التجربة تحيل على الممارسة العملية وهو ما يعني أن اللفظين ليسا متعارضين في العمق بل هناك حوار وتكامل بين النظرية والتجربة وفي هذا السياق نطرح جملة الإشكالات: ما دلالة التجربة في الخطاب العلمي؟ وما الفرق بينها وبين مفهوم التجريب؟وما المقصود بالنظرية العلمية في الخطاب العلمي؟و ماهي خطوات وعناصر بنائها؟وماهي المعايير التي من خلال نتأكد من صدق وصلاحية نظرية علمية ما؟هل العقل العلمي مجرد مرآة تعكس معطيات الواقع الحسي/التجربة أم أن مبادئ المعرفة العلمية توجد بشكل قبلي وفطري في العقل؟ وهل العقل لوحده دون الإستناد إلى التجربة قادر على إنتاج معرفة علمية؟ماهو دور الذات ممثلة في العقل والموضوع ممثلا في التجربة في تكوين المعرفة العلمية؟ وهل هذه المعرفة العلمية نهائية ويقينية أم أنها نسبية ومتغيرة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق