ذ.الزاهيد مصطفى
تقديم عام للمحور:
إن المتأمل لهذا العالم يلاحظ بأنه يمكننا أن نستخدم جميع الأشياء في هذا العالم، انطلاقا من النبات إلى الحيوان دون أن يصدر عن هذه الأخيرة أي رد فعل خاص بها مادامت عبارة عن أشياء أو موجودات تتقبل طبيعتها بشكل تلقائي، لكن على خلاف ذلك فالكائن الحي ينفي ويرفض أن يوظف مثل باقي الأشياء في الطبيعة، لذلك نجده يطالب بضرورة احترامه وتقديره.
إن هذا المطلب الذي يرفعه الكائن الحي ضد باقي الأغيار والذي يوحي بأن هذا الكائن حامل لقيمة ما تجعله يرفض أن يعامل مثل موجودات الطبيعة كما يقول هيغل في كتابه"الإستطيقا" هو ما أعطى المشروعية للفلاسفة لكي يسائلوا الأساس الذي يبني عليه الكائن الحي هذا المطلب الذي يلخص في ندائه الدائم"احترموني فلست شيء أو بضاعة". فمن أين يستمد الشخص قيمته؟ هل انطلاقا من كونه شخصا مالكا للوعي والفكر والحرية والأخلاق والحقوق أي باعتباره غاية في ذاته أم من كونه وسيلة يمكن توظيفها لأجل غايات أسمى منه؟(مثلا ما تقتضيه مصلحة الدولة في علاقتها بالجندي).
الإشتغال على نص بديل داخل الفصل لإمانويل كانط /مقتطف من كتابه تأسيس ميتافزيقا الأخلاق
الأفكار الأساسية للنص:
يرفض إمانويل كانط النظر للإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة لأننا بهذه النظرة نكون قد حططنا من قيمته وجعلناه شبيها بالحيوان.
ينتقل إمانويل كانط ليبين لنا جوانب القصور في التصور الذي يقيم الإنسان من خلال امتلاكه لملكة الفهم(القدرة على إنتاج المعرفة وتنظيم معطيات الحساسية/التجربة) ويرفض كانط أن ننظر للإنسان باعتباره ذاتا عارفة لأن هذا التصور سيجعل من الإنسان بضاعة ويضرب في العمق مبدأ المساواة بين الناس.
يبين كانط أن ما يسمو بقيمة الإنسان عن الأشياء هو النظر إليه باعتباره شخصا أي ذاتا أخلاقية حاملة لعقل عملي/أخلاقي، ومالكا لكرامة تجعل منه غاية في ذاته وليس وسيلة يمكن استخدمها من طرف أي ذات حسب رغباتها و مصالحها.
تصور امانويل كانط : الشخص غاية في ذاته
يوجه إيمانويل كانط في كتابه "تأسيس ميتافزيقا الأخلاق "للتصورات الأخلاقية العرفية القائمة على العادة والعرف لأنها تحدد قيمة الإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة، وهو ما يحط من قيمته ويجعله شبيها بالحيوان كما يوجه نقدا للتصورات المعرفية التي تنظر لقيمة الإنسان انطلاقا من كونه مالكا لملكة الفهم، أي ذاتا عارفة قادرة على إنتاج المعرفة وتنظيم معطيات التجربة لأن تقدير الإنسان واحترامه فقط لكونه قادرا على إنتاج المعرفة سيجعلنا نخل بمبدأ المساواة في النظر للإنسان وهو ما سيجعل منه سلعة قابلة للتقويم بسعر من الأسعا، ولم يقف إمانويل كانط عند هذا الحد، بل وجه نقدا لاذعا للتصورات النفعية التي تنظر للإنسان من زاوية المنفعة والمصلحة التي يمكن أن يقدمها للذات، ويطرح لنا كانط تصورا بديلا يمكنه أن يسموا بالإنسان على الأشياء والحيوانات، فحين ننظر للإنسان باعتباره شخصا أي حاملا لعقل أخلاقي/عملي يمكنه حينها وفقط أن يستمد قيمته انطلاقا من كونه غاية في ذاته وليس وسيلة قابلة للاستخدام من طرف أي ذات حسب مصالحها ورغباتها، فالنظرة للإنسان باعتباره شخصا، تجعلنا نقدره ونحترمه باعتباره حاملا لكرامة غير قابلة للتقييم بسعر، وأي حط أو اعتداء على كرامة الإنسان هو اعتداء على الإنسانية جمعاء وهو ما يؤكده كانط بقوله في كتابه "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق":"عندما نعتبره شخصا، أي كذات لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر.وبالفعل لا يمكن أن نقدره بوصفه كذلك أي بوصفه شيئا في ذاته-كوسيلة لتحقيق غايات الآخرين أو وسيلة لتحقيق غاياته الخاصة-، بل يمكن تقديره كغاية في ذاته. وهذا يعني أنه يمتلك كرامة،وبامتلاكه لهذه القيمة يرغم كل الكائنات العاقلة الأخرى على احترام ذاته".
البنية الحجاجية للنص:
انسجاما مع روح الخطاب الفلسفي باعتباره خطابا حجاجيا أسس إمانويل كانط لأطروحته بالإنطلاق في بداية النص من عرضه للتصور العرفي الذي ينظر للإنسان من الزاوية البيولوجية الصرفة ويتمثل ذلك في قوله"يعتبر الإنسان داخل نظام الطبيعة-كظاهرة من ظواهر الطبيعة وكحيوان عاقل-كائنا غير ذي أهمية قصوى"فإمانويل كانط من خلال توظيفه لأسلوب العرض في بداية النص يهدف إلى توضيح حدود التصور العرفي الذي يحصر الإنسان داخل الزاوية البيولوجية وهو ما يحط من قيمته، لكن إمانويل كانط لايكتفي بالعرض بل يوظف الاستدراك الذي يتغيى من خلاله عرض وجهة النظر المعرفية التي تقيّم الإنسان باعتباره ذاتا عارفة وهو ما يجعله شبيها بالسلعة المعروضة في السوق ويبدوا ذلك واضحا في قول كانط" لكن إضافة إلى امتلاكه ملكة الفهم-الشيء الذي جعله يسمو على جميع الكائنات الأخرى، وقادرا على تحديد غايات لنفسه-لايكسب بذلك إلا قيمة خارجية نفعية"، وبعد عرضه لكل هذه التصورات يستنتج كانط أن السمو بالإنسان باعتباره غاية في ذاته وليس وسيلة رهين بالنظر إليه باعتباره شخصا، حاملا للإنسانية في شخصه وهو ما يبدوا واضحا في قوله"وهكذا تكون الإنسانية التي تكمن في شخصه موضوع احترام يمكنه أن يلزم به كل الآخرين .
تصور جورج غوسدروف:الشخص يستمد قيمته من المشاركة والتضامن
ينطلق غوسدروف في تصوره لقيمة الشخص من إعادة النظر في جميع التصورات الفلسفية والسياسية للقرن الثامن عشر وخاصة التصورات اللبرالية التي ركزت على إعطاء قيمة للفرد على حساب الجماعة، هذه النزعة الفردية التي كان تقديسها يخفي أبعادا ايديولوجية غايتها الدفع بالفرد لكي يتحرر من كل التزام أخلاقي تجاه المجتمع، مفكرا فقط في مصالحه وأهدافه الشخصية، وعوض ذلك يؤكد غوسدروف على أن ما يميز الشخص الأخلاقي هو القدرة على الوعي بوهم الفردانية الذي تسعى الأنظمة الليبرالية تكريسها والإتجاه نحو الإندماج والمشاركة مع الآخرين في بناء عالم يسوده التضامن بين جميع أفراده، وعلى هذا الأساس تصبح قيمة الشخص مرتبطة بقدرته على التعبير الفعلي والعملي في الواقع عن تضامنه ومآزرته والتزامه تجاه الآخرين أخلاقيا وسياسيا من أجل تحرير العالم من الأوهام التي ترغب الرأسمالية في تكريسها عن طريق مختلف وسائلها الإيديولوجية وفي هذا الصدد يقارن بين الفرد الذي يعيش أوهاما باعتقاده "أنه امبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة". إن الشعور الأخلاقي يفرض حسب غوسدروف،الإيمان بأن العالم ليس فضاء للذات وحدها، وإنما هو فضاء لتلاقي ذوات كثيرة، تتعاون جميعها من أجل الوصول إلى غاية واحدة، وهي خدمة القيم الإنسانية النبيلة والعف في مقابل ذلك عن كل فكر أناني ومتوحش".
يورغن هابرماس:الشخص يستمد قيمته من قدرته على التبرير العقلاني لأفعاله
يدافع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس في كتابه "أخلاقيات المناقشة" على أن قيمة الشخص/الفاعل لايستمدها في عالم مابعد الدولة-الأمة من انتمائه الجغرافي أو السياسي أو الديني أو العرقي أو من مكانته الإجتماعية، بل من قدرته على تبرير أفعاله الأخلاقية والسياسية والإقتصادية تبريرا عقلانيا لباقي الذوات التي يتقاسم معها الفضاء العمومي، إن هابرماس ينطلق من نقده الشديد للشخص الأخلاقي المستقل الذي يشرع لأفعاله الأخلاقية بمعزل عن باقي الذوات كما هو الأمر في التصور الكانطي، فالأخلاق غير كافية للنظر إلى الشخص باعتباره قيمة بل لابد أن يستمد الشخص قيمته من خلال القوانين التي يجب أن تقوم عليها دولة الحق والقانون، فالقانون هو الوسيط الوحيد الذي يجب أن يستمد الشخص منه قيمته في عالمنا اليوم. ومن قدرته على استخدام عقله استخداما نقديا في جميع المجالات العمومية دون أي تأثير من طرف السلطة.
كارل ماركس:الشخص مجرد وهم برجوازي ولا قيمة له في النظام الرأسمالي
ينظر كارل ماركس لقيمة الشخص من منظور طبقي محض، فالشخص عند كارل ماركس هو عبارة عن وهم برجوازي ولا يحمل أية قيمة في ذاته كما تصوره الفلاسفة بل يستمد قيمته في هذا النظام انطلاقا مما ينتجه، لكن رغم ذلك يعاني من أبشع أساليب الاستغلال مادامت وسائل الإنتاج في يد الطبقة الرأسمالية، ولكي تكون للأفراد قيمة لابد من تحررهم عن طريق الوعي الحقيقي لجميع البروليتاريين بموقعهم الطبقي من وسائل الإنتاج، وبالتالي فالثورة هي الطريق الوحيد للقضاء عن ما يعوق تحرر الأفراد وبروز شخصياتهم، وبالقضاء على النظام الرأسمالي وبناء المجتمع الشيوعي سيصبح للفرد قيمة يستمدها من وجوده الواقعي في موقع يجعل منه مالكا لوسائل الإنتاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق