إن الفلسفة السياسية، حسب الفيلسوف ليوستروس،
حين تهتم بالسياسة كممارسة عملية يكون هدفها
هو الإمساك "بالأشياء السياسية" وإلى فهم معانيها، بحثا عن ماهيتها وحقيقتها،
وهي كذلك تفكير وتأمل في القيم الإنسانية، وهي قيم سياسية وأخلاقية، كالمساواة والعدالة
والحرية والوحدة الخ…
وبالتالي تتمحور الفلسفة السياسية حول الغايات المتوخاة من السياسة
والسلطة بصفتهما الأداة الضرورية لتحقيق القيم.
إن الوجود
البشري لا يمكن حصره في دائرة الأخلاق أو العلاقة بالآخرين بل هو وجود يتشكل في صميمه
من رغبة الإنسان في تحصيل المعرفة، لكن المعرفة عند الإنسان لا يمكن تحصيلها إلا في
ظل شروط مواتية تسمح بحرية التفكير والتعبير عن الرأي وقول الحقيقة مهما كانت مناقضة
لما تعارف عليه الناس وما تسمح به معتقداتهم، هذا الشرط الأساسي نجده في العمق مرتبطا
بتحقيق الأمن والحفاظ على الذات ضد كل النزعات الفردانية المدمرة، وهي الشروط التي
لم تتوفر تاريخيا إلا داخل أرقى أشكال التنظيم الإجتماعي وهي الدولة، باعتبارها التعبير
العقلي على قدرة الأفراد على التنازل عن جزء من حرياتهم لفائدة تنظيم يسهر على تدبير
شؤونهم، هذا التنظيم الذي يقوم على مبدأ الكياسة والسياسة يكشف لنا على أحد الأبعاد
الجوهرية الأساسية في الكائن الإنساني، وهو البعد السياسي(أرسطو الإنسان حيوان سياسي)،
والمتأمل للتاريخ يجد أن مراحل تطور الفكر الفلسفي أو العلمي هي المراحل التي عرفت
تطورا في تصورنا للسيّاسة باعتبارها تدبير للعيش بالمعية بين جميع المختلفين، وليس
باعتبارها أداة للهيمنة من طرف جماعة دينية أو سياسية أو أقلية ما !! إن التفكير في السياسة وفي الدولة كان تعبيرا صارخا
على غياب قدرة الناس على تنظيم شؤونهم في غيابها فما السياسة؟وإن كانت تعني التدبير
والقيادة فهل الإنسان باعتباره ذات عاقلة في حاجة إليها رغم امتلاكه لملكة العقل التي
اعتقد الفلاسفة أنها قادرة على إخراجه من الوصاية والقصور؟ وما الدولة؟ إن كانت الدولة
الفضاء الذي تمارس فيه السياسية :فما هي أسس
الدولة و ما هي مقوماتها؟ وما الغاية من وجودها كتنظيم اجتماعي؟.
1. من الدلالات اللغوية والمعجمية إلى
الإشكالية الفلسفية



ملحوظة هامة
جدا:
ما يمكن أن نخلص إليه من خلال تحديدنا لأهم
المفاهيم في هذا المحور الأول وهو أن السياسة لا يمكن أن تمارس إلا من خلال أداة
وهي الدولة باعتبارها جهاز يمتلك القدرة
على تنظيم الناس من خلال السلطة التي
يستمدها منهم، هذه السلطة التي تكون أحيانا مشروعة وأحيانا غير مشروعة، وما يهمنا
الآن هو أن نفحص الإطار الذي تمارس فيه السياسة وهو الدولة لنعرف الغاية من وجود
هذا التنظيم الاجتماعي ومدى مشروعيته. وهكذا فالمقصود من المحور الأول هو فحص
مختلف التصورات الفلسفية التي حاولت تبرير الهدف من وجود الدولة وهو ما نستطيع أن
نقف عليه من خلال أهم المفاهيم التي يتضمنها عنوان المحور "مشروعية الدولة وغايتها" والمقصود هو هل يستطيع
المدافعين عن أهمية الدولة كتنظيم سياسي واجتماعي أن يبرروا لنا عقلانيا الهدف
الذي من أجله وجدت الدولة على اعتبار أن كل من مفهومي:
ü
الغاية: تحيل على الهدف
ü
المشروعية: تحيل في الفلسفة السياسية على
قدرة نظام ما على تبرير ذاته أمام الرأي العام (الشعب في الفلسفة السياسية
الكلاسيكية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق