ذ.الزاهيد مصطفى
يطمح جميع الناس داخل الدولة إلى أن يحضوا
بمعاملة يكون أساسها المساواة بينهم في الحقوق والقوانين، ففي الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان نجد الحديث واضح حول كون الناس سواسية ويجب أن يعاملوا على هذا
الأساس، لكن معاملة الناس على أساس المساواة قد يكون أحيانا مخلا ومجحفا في حق
أولائك الذين
يمتلكون قدرات ومؤهلات أفضل من البعض الآخر، وهكذا يكون تطبيق
العدالة وقيامها على المساواة قد يبدوا
فيه نوع من الظلم لفئة اجتماعية ترى في نفسها مؤهلة لتعامل بطريقة أكثر حضوة من
الآخرين، لكن مادام الجميع ليسوا مؤهلين لكتابة القوانين ووضعها فإن واضع القانون
أحيانا قد يغلب رغباته وميولاته فيوظف القوانين لخدمة مصالحه وتكريس هيمنته وعلى
هذا الأساس تصبح العدالة محط نقاش فلسفي لنتساءل حول الأساس الذي ينبغي أن تقوم
عليه: هل تقوم العدالة هل الإنصاف أم
المساواة؟ وهل يمكن لتطبيق المساواة في مجتمع مدخول بآفة الاختلافات بين
أفراده في كل شيء أن يكون عادلا؟ وهل
القوانين شاملة وعامة لكي تضمن ذلك في حال تطبيقها أم يلزم نوع من المرونة والإجتهاد
في تطبيقها حتى تتكيف مع الحالات الجزئية؟
تراسيماخوس السفسطائي/ العدالة لا تقوم على المساواة أو
الإنصاف بل على حق الأقوى
يرتبط التفكير الفلسفي في العدالة كقيمة أخلاقية
باليونان، لذلك نجد أفلاطون في محاورة "الجمهورية" يخصص كتابين لدحض القائل
بعدم وجودها، وهو ما لخصه السفسطائيون
في قولهم "لا أحد عادل إراديا "فالسفسطائيون مع تراسيماخوس رأوا في العدالة فقط" حيلة إصطنعها الضعيف لدفع
خطر القوي" والحق حسب التصور السفسطائي هو حق الأقوى، ومن ثم فالعدالة يجب أن
تكون عدالة الأقوى،عدالة تنسجم مع طبيعة الحياة التي تخضع لمبدأ المنفعة الشخصية،
أي الحياة التي لا تعترف بالقيم والحقائق الثابتة
فمثلا الحزب الديمقراطي المتطرف في اليونان مع تراسيماخوس يقدم لنا صورة
واضحة للقواعد السياسية المتطرفة التي لا تعتبر العدالة مثالا أخلاقيا يحقق
الفضيلة ويجسدها، بل العدالة في الأصل ليست غايتها الفضيلة أو تحقيق المساواة أو
الإنصاف، ولا تقوم على الحق أو القوانين بل تقوم على العنف والقوة وهكذا يقول
تراسيماخوس:"إن العدالة هي العمل بمقتضى مصلحة الأقوى، فالقوانين السياسية في
دولة يصنعها دائما الأقوى ولمصلحته، لأن الحاكم وهو الأقوى يفرض القوانين التي
تحقق مصلحته لا مصلحة المحكوم"،
وبالتالي فالعدالة والقوانين لا تقوم على المساواة أو الإنصاف بل تقوم على هيمنة
الأقوى وخدمته.
مستوى المناقشة الداخلية للموقف السفسطائي/
أفلاطون العدالة فضيلة غايتها تحقيق
الانسجام وليس المساواة أو الإنصاف
وهو ما رفضه
أفلاطون حين رأى أن العدالة هي أن يقوم كل شخص لما خلق له وأن لا يتدخل في
عمل الآخرين، لذلك فالعدالة لا تقوم على المنفعة والقوة بل تقوم على الفكر أي تنبع
من صميم تفكير الفيلسوف الذي يسعى إلى بلوغ الخير الأسمى، ويرى أفلاطون أن الناس
بطبيعتهم غير متساوين مع بعضهم إلى درجة كبيرة ربما ليس في السلطة فقط بل هم غير
متساوين حتى الخصائص العقلية التي تمكنهم من السيطرة على الذات والتحكم برغباتهم
وبرغبات الأشخاص الآخرين، لذا مادامت فكرة العدالة تطبق في مدمار العلاقات بين
البشر، فإنها ترتبط في الحقيقة بين أشخاص غير متساوين وهو ما يفرض أن تقوم العلاقة
بين الناس على أساس التبادل المتوازن الذي يعود بالفضل على جميع الأطراف بالفائدة
حين يتمكنون عن طريق الطاعة والخضوع لمن هم قادرون على التحكم برغباتهم لكي
يعلموهم القدرة على الإنسجام مع النظام العام للدولة، فالعدالة ليست إلا فضيلة يحققها
الفرد ويبلغها حين يستطيع تحقيق الإنسجام بين عقله وعواطفه وشهواته، فعدالة
المدينة أو الدولة Polis هي صورة عن عدالة
الفرد، الذي لن يكون عادلا إلا إذا كان عارفا وفيلسوفا، والمدينة لن تكون عادلة
إلا إذا حكمها الفلاسفة الذين يتأملون وضعها، ويشرعون لها قوانين تنظم شؤونها
وترسخ مبادئ النظام والإنسجام والتوازن فيها.لأن الناس عاجزون عن ذلك ماداموا
متفاوتون بالطبيعية وخاضعون لرغباتهم وشهواتهم، وهكذا فإن العدالة لا تتحقق إلا
إذا قبل كل فرد ما هيأته الطبيعة للقيام به من أدوار، وبالتالي فالمساواة بالنسبة
لأفلاطون لا يمكنها أن تتحقق لأن الطبيعة لم تمنحهم هذا الحق مادامت قد خلقتهم
طبقات(حكام وحرفيين وعبيد).
المناقشة الخارجية/ أرسطو العدالة تقوم على
التوزيع المنصف للثروات والأدوار بين
الناس حسب قدرهم ومؤهلاتهم
لقد تعرضت تصورات أفلاطون إلى العديد من الانتقادات
لأنها اعتبرت تصورات مثالية تؤسس لمدينة فاضلة ولنموذج للعدالة لا يمكنه أن يكون واقعيا
لأن العدالة في العمق مرتبطة بالواقع وبحقوق
الناس وبانتظاراتهم داخل الدولة وهو ما سينتقده أرسطو إذ بدل الحديث
عن العدالة باعتبارها تنظيم وسيطرة على قوى النفس(الشهوانية والغضبية) يلزم
الحديث عن العدالة من زاوية العلاقات التي تربطها بالقوانين المنظمة للعلاقات بين
الناس، وهكذا يتفق أرسطو على أن العدالة قيمة أخلاقية "تبهرنا بلمعانها
أكثر من انبهارنا بلمعان نجمة في قلب السماء" يؤكد أرسطو على أنه لا يمكننا
استيعاب مفهوم العدالة إلا بربطه بمفهوم الفضيلة وهو هنا يتفق مع رأي أفلاطون
وسقراط، لكن أرسطو يرى أن الفضيلة ترتبط بالعادة والعادة تنمو وتتطور بفضل وجود
استعداد طبيعي لدى الإنسان يمنحه القدرة على قبول الفضيلة، والفضيلة لها
ارتباط بالآخرين من الناس، لذلك فتبادل
الخيرات يفرض علينا طرح السؤال التالي: هو كيف يمكن للإنسان أن يحقق العدالة إذا
كان الناس في الأصل غير متساويين؟ويجب أرسطو على أنه يجب أن نميز في
العدالة بين مفهومين، الأول عام والثاني
خاص،والعدالة بالمعنى الأول تعني الخضوع
للقوانين وللضمير الأخلاقي، حفاظا على المصالح العامة، وبذلك تكون مرادفة للفضيلة.
أما العدالة بالمعنى الثاني فتعني المساواة، وفي هذه الحالة تسمى العدالة
إنصافا Equité وحينما تصبح العدالة
إنصافا نكون أمام نوعين من العدالة حسب أرسطو عدالة
توزيعية Justice
distributive وتعني توزيع الخيرات
وثروات المجتمع على أفراده حسب طاقاتهم وأعمالهم. وعدالة تعويضية Justice
corrective وتتمثل في تنظيم
المعاملات بين أفراد المجتمع على أساس القوانين والأعراف. وهدفها هو تصحيح السلوك
الخارج عما تحدده القوانين، فهي عدالة
تعاقب المجرم وتعوض أولئك الذين يذهبون ضحايا تطبيق القوانين. وهكذا فإن غاية
العدالة هو تحقيق الإنصاف وفي هذا الصدد يقول
أرسطو:"ليس هناك أشخاص عادلون غير أولئك الذين يستنيرون بفكرة العدالة
كإنصاف، أي أولئك الذين يمثلون روح القوانين" والعدالة لا توجد في
المجتمع كممارسة إلا حينما يكون أفراده عادلون أو يطبقون العدالة، وإذا كانت العدالة
لا تطرح أي مشكلة على المستوى الأخلاقي فإنها على المستوى العملي حينما ترتبط
بالقوانين تثير العديد من المشاكل، فما هو قانوني قد لا ينسجم دائما مع حقوق الفرد
وقد لا يضمنها، فمن الممكن أن توجد القوانين غير عادلة أو تطبق في حالات عامة أو
خاصة،كما أن القانون لن يتضمن جميع الحالات الجزئية، فما هو قانوني قد لا يؤدي إلى
تحقيق العدالة دائما لذلك يرى أرسطو بضرورة المرونة في تطبيق القانون وتكييفه مع
الحالات الجزئية المتنازع عنها لأن التطبيق الحرفي قد يؤدي إلى الإخلال بمبدأ
العدالة وبروحها الأسمى وهي الإنصاف.
تعميق المناقشة مع التصور الليبرالي المعاصر/
جان راولز العدالة لا تقوم على المساواة بل على الإنصاف والمساواة في الوصول إلى
المراكز الإجتماعية
في نفس السياق لكن على ضوء تحولات اجتماعية جذرية في العالم الليبرالي سعى جان راولزJohn Rawls من خلال
نظريته في العدالة التي عنونها ب"نظرية في
العدالةThéorie sur la justice" وطورها من خلال
نقاشه مع هابرماس في كتابه "العدالة
كإنصاف" أن يصل إلى بناء مجتمع عادل ومتعاون، وهو ما جعله يبحث عن الشروط
المنصفة التي تضمن هذا التعاون، وفي هذا الصدد تساءل جان راولز "هل التعاون
بين الناس تحدده سلطة مختلفة عن الأشخاص المتعاونين (قانون إلهي مثلا)أم هذه
الشروط تقوم على القيم الأخلاقية المشتركة بين أفراد المجتمع؟أم يقوم التعاون
بينهم على اتفاق باعتبارهم أحرارا ومتساوين على أساس المنفعة المتبادلة؟ وفي هذا
الصدد يجيب راولز على أنه في مجتمع يتسم بالتعددية الثقافية والدينية
والسياسية...الخ، لذلك فهذا الاتفاق يقوم عند رولز على أساس ما سماه الحالة الأصلية
أو حجاب الجهل وهو حالة افتراضية شبيهة بحالة الطبيعة عند فلاسفة العقد الإجتماعي،
ففي حجاب الجهل يجهل كل مواطن المركز الإجتماعي أو المكانة أو المنصب الذي
سيشغله أو الإعتقاد أو الإثنية التي سينتمي
إليها في المستقبل داخل المجتمع، لكنهم يتفقون حسب راولز حول مبدأين أساسيين من
شأنهما أن يضمنا تحقيق التعاون الإجتماعي بينهم بوصفهم أشخاصا أحرارا ومتساويين
غايتهم تنظيم مؤسساتهم، فسما المبدأ الأول
"مبدأ الحرية أو المبدأ الليبرالي" وأطلق على المبدأ الثاني "مبدأ اللامساواة أو التفاوت
الاجتماعي" وعلى هذا الأساس يضمن
المبدأ الأول للأشخاص الحريات الأساسية ومن أهمها حرية التفكير والتعبير والحق في
التصويت والمشاركة السياسية وكل الحريات التي يمنحها القانون، أما المبدأ
الثاني(مبدأ التفاوت الاجتماعي أو اللامساواة) فيسمح لكل شخص ويشرعن له الحق في أن
يكون أكثر مرتبة ومكانة اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا لكن بشرط أن تكون
الفرص التي تقدم وتمنح وتتاح لجميع أفراد المجتمع قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص في ولوج الجامعات والوظائف والمراكز بغض النظر
عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الطبقية، وهكذا تتأسس العدالة باعتبارها
إنصافا، وليشرح لنا رولز ما يقصده بالفرص العادلة هو فتح جميع المواقع الإجتماعية
أمام الجميع وفي هذا الصدد يقول في كتابه نظرية في العدالة" فلابد أن يكون
هذا التوزيع (توزيع المداخيل) لفائدة كل شخص، وأن تكون مواقع السلطة والمسؤولية في
الوقت نفسه في متناول الجميع. إننا نطبق المبدأ الثاني جاعلين المواقع
مفتوحة" فالعدالة بوصفها إنصافا
عند جان رولز غايتها ضمان الخير والتعاون بين جميع الأفراد وذلك بالسماح بوجود تفاوتات شريطة أن لا يخلق هذا الوضع مجتمعا تكون فيه فئة اجتماعية محرومة من حقها في الحصول على حقوقها الكاملة
والفرص الأساسية لحساب فئة أخرى تتمتع بامتيازات. ومن أجل تحقيق هذا المجتمع دعا
إلى المساواة الديمقراطية L'égalité démocratique .
موقف ألان (إميل شارتيي): العدالة هي معاملة الناس بالمساواة.
لا يمكن الحديث حسب ألان، عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس. فالقوانين
العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية. والحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها
ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم.
وهنا يتحدث ألان عن السعر العادل ويميزه عن سعر
الفرصة؛ بحيث أن الأول هو المعلن داخل السوق والذي يخضع له الجميع بالتساوي،بينما الثاني
هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين؛ كأن يكون أحدهما مخمورا والآخر واعيا، أو يكون
أحدهما عالما بقيمة المنتوج والآخر جاهلا بذلك هكذا فالمساواة لن تتحقق حسب ألان إلا
إذا عرض الباعة لكل الناس نفس السلع وبثمن موحد. ومعنى ذلك أن العدالة لن تتحقق
إلا كانت القوانين الجاري بها العمل تعامل الناس بالمساواة التي هي أساس إحقاق الحق.وفي
هذا الإطار يقول ألان: " لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة. والقوانين العادلة
هي التي يكون الجميع أمامها سواسية... أما أولائك الذين يقولون إن اللامساواة هي من
طبيعة الأشياء، فهم يقولون قولا بئيسا".
موقف ماكس شيلر: المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة
يذهب ماكس شيلر إلى القول بأن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة
المطلقة بين الناس؛ لأنها مساواة جائرة ما دامت لا تراعي الفروق بين الأفراد فيما يخص
الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها. فالعدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس
وتمايز طبائعهم ومؤهلاتهم. ومن الظلم أن نطالب بالمساواة المطلقة بين جميع الناس؛ ذلك
أن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد على القيم السامية، ورغبة دفينة في خفض
مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم.هكذا ينتقد ماكس
شيلر ما يسميه بالأخلاقية الحديثة التي تقول بأن جميع الناس متساوون أخلاقيا،وبالتالي
تنفي التفاوتات الموجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهلات. ويرى أن هذه المساواة
المطلقة هي فكرة عقلانية نابعة من حقد وكراهية الضعفاء ومن هم في أسفل درجات السلم
تجاه الأقوياء الذين يمتلكون مؤهلات وقدرات أكثر من غيرهم تجعلهم يتواجدون في أعلى
السلم الاجتماعي. وبدلا من هذه الأخلاق العقلانية التي تنادي بالمساواة الصورية والنظرية،
يقترح شيلر ما أسماه بالأخلاق الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الناس
على أرض الواقع. وهنا تكمن العدالة المنصفة التي تحافظ على القيم السامية التي يتمتع
بها الأشخاص المتفوقون.
خلاصة عامة
لا ننكر أن قدرات الناس مختلفة باختلاف مؤهلاتهم، لكن لا يمكن أن نستند إلى
هذا التبرير في تكريس التفاوت الطبقي والإجتماعي داخل المجتمع، لأن القبول بهذا
التسويغ سيجعل الغاية التي بررت بها الدولة مشروعيتها وهي ضمان الحق وتحقيق
العدالة محط نقاش! إذ عوض أن تكون الدولة آلية لتحقيق العدالة صارت
أداتا لشرعنة التفاوت الإجتماعي بين الأفراد، لكن هذا لا يجعلنا في النهاية نقبل
بغياب تحقيق المساواة لأنه مادام التاريخ خاضع بالضرورة لمنطق التطور والتقدم فإن
الإنسانية قادرة على إبداع أشكال من المعايير والتنظيمات أكثر عدالة مما هو متوفر
الآن وقد أثبت تاريخ الإنسان وتاريخ تنظيماته الإجتماعية هذا القول، حين استطاع أن
ينتقل من عدالة الأعراف والقبيلة إلى عدالة القانون وهو ما يجعلنا نؤكد على أنه
قادر في المستقبل على إبداع تنظيمات أخرى تتيح له تحقيق العدالة أو "مثال
العدالة" الذي يطمح إليه، لأن القول بأن الإنصاف هو ما يمكن أن تحققه الدولة
الليبرالية هو قول بالجمود وبالسكون وبانغلاق التاريخ وهو نوع من الإستسلام
لنظريات المدافعين عن نهاية التاريخ ونهاية البدائل الإنسانية(فرانسيس فوكوياما
مثلا في كتابه نهاية التاريخ)، إننا مقتنعون أن الإنسان مطالب بمواجهة ذاته(غرائزه
ورغباته) ليس بغاية السيطرة عليها أو التحكم فيها بل بغاية تقنينها وتوجيهها لتضمن
له العيش بالمعية مع المختلفين دون تناقض مع رغباتهم أيضا وهو ما يستطيع الإنسان
تحقيقه ليس فقط عن طريق القوانين وصرامتها بل عن طريق الأخلاق التي تتيح له التخلص
من الوصاية والخضوع فقط لمبدأ الإرادة الحرة التي يشرّعها العقل والتي تحدد له
ماذا يمكنه أن يفعل؟
وإذا كانت العدالة مثال نسعى إليه فإن الدولة
المعاصرة التي تعتبر نفسها دولة حق وقانون لازالت بعيدا عن هذا الهدف لأن الأحداث
الأخيرة التي عرفها العالم من "بورصة ول ستريت" إلى "تونس
ومصر..." جعلت المفكرين والفلاسفة يعيدون التفكير في وظيفة الدولة وفي غايتها
وفي مشروعيتها وفي عدالتها وقوانينها فالأحداث برهنت على أن الناس لا يعاملون على
أساس المساواة كما كشفت على أن العنف لم تستطع الدولة القضاء عليه وهو ما يستوجب
العودة للأخلاق باعتبارها دافع للإنسان إلى أن يشرع ما يكون خيرا وأخلاقيا لنفسه
ويتصرف على هذا الأساس لأنه يؤمن به وليس لأنه يخاف من الوصاية، فما قيمة الأخلاق
في هذا الإطار مادامت القوانين لوحدها عاجزة عن ضمان الأمن والعيش والتقدير
للآخرين.
ههههه
ردحذف