ذ.الزاهيد مصطفى
يشكل العنف أحد الانشغالات الكبرى للإنسانية
في وقتنا الحاضر، ويعوذ ذلك إلى الإنتشار المتزايد للعنف في مختلف مجالات الحياة،
وعلى جميع الأصعدة، في الأسرة والمدرسة والشارع،والإعلام والمدرسة...، بل انتقل
العنف في
أكثر أشكاله تجسيدا ليصبح جزءا من العلاقات الدولية ومن تدبيرها وهنا تكون الحرب الأدوات الأكثر تمثيلا على هذا النوع من العنف.
أكثر أشكاله تجسيدا ليصبح جزءا من العلاقات الدولية ومن تدبيرها وهنا تكون الحرب الأدوات الأكثر تمثيلا على هذا النوع من العنف.
يبدوا في أول وهلة ومن خلال تأملنا في تاريخ
العالم الذي ننتمي إليه أن العنف جزء من هذا العالم، فهو ظاهرة ملازمة للحياة،
تمارسه النباتات والحيوانات والإنسان، كل بأساليبه وطرقه الخاصة، الشيء الذي حذا
ببعض الفلاسفة إلى اعتباره قانونا طبيعيا وكونيا يسري على سائر الموجودات، وفي هذا
الصدد يقول هيراقليطس "إن العنف هو أب كل شيء وملكه"، ويرى
داروين بأن العنف هو المحرك للحياة التي هي في العمق تعبير عن صراع عنيف لا يكتب
فيه البقاء إلا لمن يملك القدرة على التكيف.
لا يمكن حصر العنف في غياب التبرير العقلاني
لممارسته بل نجد دعاة استعماله داخل تاريخ الفكر السياسي يضعون كل المصوغات
العقلانية لضرورته، فمفهوم الحرب العادلة مثلا لدى طوماس الأكويني أو لدى ميخائيل
والزار الذي دافع عن الحرب العادلة باعتبارها شكل من أشكال العنف غايته تحقيق
العدالة والأمن للنوع الإنساني وضمان الحق، وكأن العنف جزء وقدر هذا العالم الذي
نعيش فيه.
لكن وحتى إن بدا العنف جزء من العالم و متأصل
في الكائنات الإنسانية لدرجة لم يعرفه جورج دادون بكائن عاقل بل عرف الإنسان
بالكائن العنيف Homo Violens باعتباره منبني داخليا
وعضويا بالعنف، لكن الملاحظ أن المجتمع البشري لم يقبل بوضعه البشري الذي يجعل
العنف هو المحدد الوحيد لوجوده بل سعى بكل ما يملكه من قدرات عقلية ووجدانية على
إيجاد الوسائل الكفيلة بالتقليل أو احتكاره أو القضاء على العنف وأسس لذلك خطابات
أخلاقية ودينية وسياسية وحقوقية تصب كلها في اتجاه تجريم العنف ونبده سواء كان هذا
العنف ماديا أم رمزيا أوتحقيريا للشخص الإنساني ولكرامته ومن بين الوسائل والأدوات
التي ادعى الإنسان أنه أنشأها لهذه الغاية، هي الدولة باعتبار غايتها هي القضاء على
العنف، لكن التفكير في خطابات الدولة وفي
أدوارها يكشف على أنه استبدلنا عنف الجميع بعنف الواحد ورحنا نقبله وكأنه عنفا
مبررا ومقبولا، فإذا كان عنف الجماعات ينتج فقط عن طريق إلحاق الضرر المادي بالغير
فإن عنف الدولة يمارس على الجميع عبر مجموعة من الوسائط، تعليمية كانت أو إعلامية
أو دينية أو أخلاقية سائدة، فتقوية الشعور الوطني ليس مثلا إلا شكلا من أشكال
العنف الموجه تجاه الغير، ففي خطاب الدولة حول الهوية والوطنية قد يتطور لدى
"النحن" وهم الأفضلية والسمو على "الهم".
انطلاقا مما ناقشناه نجد أنفسنا أمام مجموعة
من المفارقات يبدوا فيها العنف جزء لا يتجزأ من الطبيعية الإنسانية لكن المتأمل
للتاريخ يبدوا له أن هناك من يربطه بحالة الثقافة وينظر إليه باعتباره مكتسبا لا
فطريا، فهو مادي حين يرتبط بإلحاق الأذى الجسدي لكن أحيانا العنف قد يمارس بطرق
خفية ورمزية مثل الكلام الجارح، و يذهب البعض إلى دوره التأسيسي للمجتمع عبر
التاريخ، وهناك من يدافع على مشروعية ممارسته حين يرتبط بجهات قانونية مخول لها
ذلك، هذه المفارقات تستدعي منا استشكالها من أجل تحليلها ومناقشتها على ضوء تاريخ
الفلسفة السياسية والعلوم الإنسانية.
1-
ما العنف وهل هو فطري متأصل في الإنسان، أم
أنه سلوك مكتسب ناتج عن الثقافة التي يستمد منها الفرد الأسس المعيارية التي ينظر
بها للعالم؟وما هي أشكال العنف التي تمارس في الواقع من طرف الإنسان على الإنسان
ومن دولة تجاه دولة أخرى؟هل يمكن حصر العنف فيما هو مادي أم أن للعنف أشكال لا
مرئية تشمل ما هو رمزي وثقافي ؟
2-
كيف ظهر العنف في التاريخ؟ وهل للعنف أي دور
تأسيسي عبر التاريخ؟هل يعود حضوره في التاريخ إلى الطبيعة الإنسانية أم إلى
الأنساق الثقافية التي تغذيه وتدفع إليه؟
3-
هل يمكن تبرير ممارسة العنف؟ بعبارة أخرى هل
العنف مشروع أم غير مشروع؟ وهل يمكن إضفاء طابع المشروعية على كل ما يؤذي الإنسان
ماديا أو رمزيا؟ وما قيمة الدولة إن كانت
غير قادرة على الحد من العنف في عالم تتطور وسائل ممارسته وانتشاره؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق